(ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١١))
استئناف انتقل إليه بعد أن توعّد المشركون بما يحصل لهم من التغابن يوم يجمع الله الناس يوم الحساب. ويشبه أن يكون استئنافا بيانيا لأن تهديد المشركين بيوم الحساب يثير في نفوس المؤمنين التساؤل عن الانتصاف من المشركين في الدنيا على ما يلقاه المسلمون من إضرارهم بمكة فإنهم لم يكفوا عن أذى المسلمين وإصابتهم في أبدانهم وأموالهم والفتنة بينهم وبين أزواجهم وأبنائهم.
فالمراد : المصائب التي أصابت المسلمين من معاملة المشركين فأنبأهم الله بما يسليهم عن ذلك بأن الله عالم بما ينالهم. وقال القرطبي «قيل سبب نزولها أن الكفار قالوا : لو كان ما عليه المسلمون حقا لصانهم الله عن المصائب».
واختصت المصيبة في استعمال اللغة بما يلحق الإنسان من شر وضر وإن كان أصل فعلها يقال كما يصيب الإنسان مطلقا ولكن غلب إطلاق فعل أصاب على لحاق السوء ، وقد قيل في قوله تعالى : (ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ) [النساء : ٧٩] ، أن إسناد الإصابة إلى الحسنة من قبيل المشاكلة.
وتأنيث المصيبة لتأويلها بالحادثة وتقدم عند قوله تعالى : (أَوَلَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها) في سورة آل عمران [١٦٥].
والإذن : أصله إجازة الفعل لمن يفعله وأطلق على إباحة الدخول إلى البيت وإزالة الحجاب لأنه مشتق من أذن له إذا سمع كلامه. وهو هنا مستعار لتكوين أسباب الحوادث. وهي الأسباب التي تفضي في نظام العادة إلى وقوع واقعات ، وهي من آثار صنع الله في نظام هذا العالم من ربط المسببات بأسبابها مع علمه بما تفضي إليه تلك الأسباب فلما كان هو الذي أوجد الأسباب وأسباب أسبابها ، وكان قد جعل ذلك كله أصولا وفروعا بعلمه وحكمته ، أطلق على ذلك التقدير والتكوين لفظ الإذن ، والمشابهة ظاهرة ، وهذا في معنى قوله : (ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها) [الحديد : ٢٢].
ومقتضى هذه الاستعارة تقريب حقيقة التقلبات الدنيوية إلى عقول المسلمين باختصار العبارة لضيق المقام عن الإطناب في بيان العلل والأسباب ، ولأن أكثر ذلك لا تبلغ إليه