عقول عموم الأمة بسهولة. والقصد من هذا تعليم المسلمين الصبر على ما يغلبهم من مصائب الحوادث لكيلا تفلّ عزائمهم ولا يهنوا ولا يلهيهم الحزن عن مهمات أمورهم وتدبير شئونهم كما قال في سورة الحديد [٢٣](لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ).
ولذلك أعقبه هنا بقوله : (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ) ، أي يهد قلبه عند ما تصيبه مصيبة ، فحذف هذا المتعلق لظهوره من السياق قال : (وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ) [آل عمران : ١٣٩ ، ١٤٠].
والمعنى : أن المؤمن مرتاض بالأخلاق الإسلامية متبع لوصايا الله تعالى فهو مجاف لفاسد الأخلاق من الجزع والهلع يتلقى ما يصيبه من مصيبة بالصبر والتفكر في أن الحياة لا تخلو من عوارض مؤلمة أو مكدرة. قال تعالى : (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) [البقرة : ١٥٥ ـ ١٥٧] ، أي أصحاب الهدى الكامل لأنه هدى متلقى من التعاليم الإلهية الحق المعصومة من الخطل كقوله هنا : (يَهْدِ قَلْبَهُ).
وهذا الخبر في قوله : (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ) إيماء إلى الأمر بالثبات والصبر عند حلول المصائب لأنه يلزم من هدي الله قلب المؤمن عند المصيبة ترغيب المؤمنين في الثبات والتصبر عند حلول المصائب فلذلك ذيل بجملة (وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) فهو تذييل للجملة التي قبلها وارد على مراعاة جميع ما تضمنته من أن المصائب بإذن الله ، ومن أن الله يهدي قلوب المؤمنين للثبات عند حلول المصائب ومن الأمر بالثبات والصبر عند المصائب ، أي يعلم جميع ذلك.
وفيه كناية عن مجازاة الصابرين بالثواب لأن فائدة علم الله التي تهم الناس هو التخلق ورجاء الثواب ورفع الدرجات.
(وَأَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (١٢))
عطف على جملة (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ) [التغابن : ١١] لأنها تضمنت أن المؤمنين متهيئون لطاعة الله ورسوله صلىاللهعليهوسلم فيما يدعوانهم إليه من مصالح الأعمال كما يدل عليه تذييل الكلام بقوله : (وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) [آل عمران : ١٢٢] ، ولأن طلب الطاعة فرع عن