لم يسعوا. فإن الشغل بالمال والعناية بالأولاد فيه فتنة.
ففي هذه الآية من خصوصيات علم المعاني التذييل والإدماج ، وكلاهما من الإطناب ، والاكتفاء وهو من الإيجاز ، وفيها الإخبار بالمصدر وهو (فِتْنَةٌ) ، والإخبار به من المبالغة فهذه أربعة من المحسنات البديعية ، وفيها القصر ، وفيها التعليل ، وهو من خصوصيات الفصل ، وقد يعد من محسنات البديع أيضا فتلك ست خصوصيات.
وفصلت هذه الجملة عن التي قبلها لأنها اشتملت على التذييل والتعليل وكلاهما من مقتضيات الفصل.
والفتنة : اضطراب النفس وحيرتها من جراء أحوال لا تلائم من عرضت له ، وتقدم عند قوله تعالى (وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ) في سورة البقرة [١٩١].
أخرج أبو داود عن بريدة قال : «إن رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان يخطب يوم الجمعة حتى جاء الحسن والحسين يعثران ويقومان فنزل رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن المنبر فأخذهما وجذبهما ثم قرأ (إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ). وقال : رأيت هذين فلم أصبر ، ثم أخذ في خطبته».
وذكر ابن عطية : أن عمر قال لحذيفة : كيف أصبحت فقال : أصبحت أحب الفتنة وأكره الحق. فقال عمر : ما هذا؟ فقال : أحب ولدي وأكره الموت.
وقوله : (وَاللهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) عطف على جملة (إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ) لأن قوله : (عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) كناية عن الجزاء عن تلك الفتنة لمن يصابر نفسه على مراجعة ما تسوله من الانحراف عن مرضاة الله إن كان في ذلك تسويل. والأجر العظيم على إعطاء حق المال والرأفة بالأولاد ، أي والله يؤجركم عليها. لقول النبي صلىاللهعليهوسلم «من ابتلي من هذه البنات بشيء وكنّ له سترا من النار». وفي حديث آخر «إن الصبر على سوء خلق الزوجة عبادة».
والأحاديث كثيرة في هذا المعنى منها ما رواه حذيفة : فتنة الرجل في أهله وماله تكفرها الصلاة والصدقة.
(فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْراً لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (١٦))
فاء فصيحة وتفريع على ما تقدم ، أي إذا علمتم هذا فاتقوا الله فيما يجب من التقوى