الرَّسُولِ).
إن كانت هذه الآية والآيتان اللتان بعدها نزلت مع الآية التي قبلها حسبما يقتضيه ظاهر ترتيب التلاوة كان قوله تعالى : (نُهُوا عَنِ النَّجْوى) مؤذنا بأنه سبق نهي عن النجوى قبل نزول هذه الآيات ، وهو ظاهر قول مجاهد وقتادة : نزلت في قوم من اليهود والمنافقين نهاهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن التناجي بحضرة المؤمنين فلم ينتهوا ، فنزلت ، فتكون الآيات الأربع نزلت لتوبيخهم وهو ما اعتمدناه آنفا.
وإن كانت نزلت بعد الآية التي قبلها بفترة كان المراد النهي الذي أشار إليه قوله تعالى: (ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ) [المجادلة : ٧] كما تقدم ، بأن لم ينتهوا عن النجوى بعد أن سمعوا الوعيد عليها بقوله تعالى : (ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ) ، فالمراد ب (الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوى) هم الذين عنوا بقوله : (ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ) [المجادلة : ٧] الآية.
و (ثُمَ) في قوله : (ثُمَّ يَعُودُونَ) للتراخي الرتبي لأن عودتهم إلى النجوى بعد أن نهوا عنها أعظم من ابتداء النجوى لأن ابتداءها كان إثما لما اشتملت عليه نجواهم من نوايا سيّئة نحو النبي صلىاللهعليهوسلم والمسلمين ، فأما عودتهم إلى النجوى بعد أن نهوا عنها فقد زادوا به تمردا على النبي صلىاللهعليهوسلم ومشاقّة للمسلمين.
فالجملة مستأنفة استئنافا ابتدائيا اقتضاه استمرار المنافقين على نجواهم.
والاستفهام في قوله : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوى) تعجيبي مراد به توبيخهم حين يسمعونه.
والرؤية بصرية بقرينة تعديتها بحرف (إِلَى).
والتعريف في (النَّجْوى) تعريف العهد لأن سياق الكلام في نوع خاص من النجوى. وهي النجوى التي تحزن الذين آمنوا كما ينبئ عنه قوله تعالى : (إِنَّمَا النَّجْوى مِنَ الشَّيْطانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا) [المجادلة : ١٠].
ويجوز أن يكون النهي عن جنس النجوى في أول الأمر يعمّ كل نجوى بمرأى من الناس سدّا للذريعة ، قال الباجي في «المنتقى» : روي أن النهي عن تناجي اثنين أو أكثر دون واحد أنه كان في بدء الإسلام ، فلما فشا الإسلام وآمن الناس زال هذا الحكم لزوال سببه.