وفي الحديث لما سئل رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن أفضل الصدقة قال : «أن تصدّق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر وتأمل الغنى. وأن لا تدع حتى إذا بلغت الحلقوم قلت لفلان كذا ولفلان كذا وقد كان لفلان» وتقدم نظيره (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) في سورة الحشر [٩].
[١٧ ، ١٨] (إِنْ تُقْرِضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً يُضاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ (١٧) عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١٨))
استئناف بياني ناشئ عن قوله : (وَأَنْفِقُوا خَيْراً لِأَنْفُسِكُمْ) [التغابن : ١٦] ، فإن مضاعفة الجزاء على الإنفاق مع المغفرة خير عظيم ، وبهذا الموقع يعلم السامع أن القرض أطلق على الإنفاق المأمور به إطلاقا بالاستعارة ، والمقصود الاعتناء بفضل الإنفاق المأمور به اهتماما مكررا فبعد أن جعل خيرا جعل سبب الفلاح وعرف بأنه قرض من العبد لربّه وكفى بهذا ترغيبا وتلطفا في الطلب إذ جعل المنفق كأنه يعطي الله تعالى مالا وذلك من معنى الإحسان في معاملة العبد ربّه وقد بينه النبي صلىاللهعليهوسلم في حديث جبريل إذ قال جبريل للنبي عليهما الصلاة والسّلام : أخبرني عن الإحسان فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك» فمما ينضوي تحت معنى عبادة الله عبادة من يراه أن يستشعر العبد أن امتثال أمر ربه بالإنفاق المأمور به منه كأنه معاملة بين مقرض ومستقرض.
وقد تقدم ذلك عند قوله تعالى : (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً) في سورة البقرة [٢٤٥].
وقرأ الجمهور (يُضاعِفْهُ) بألف بعد الضاد وقرأ ابن كثير وابن عامر ويعقوب يضعفه بتشديد العين مضارع ضعّف ، وهما بمعنى واحد وهو لفظي الضعف.
والمضاعفة : إعطاء الضعف بكسر الضاد وهو مثل الشيء في الذات أو الصفة. وتصدق بمثل وبعدة أمثال كما قال تعالى : (أَضْعافاً كَثِيرَةً) [البقرة : ٢٤٥].
وجعل الإنفاق سبب للغفران كما قال النبي صلىاللهعليهوسلم «الصدقة تطفئ الخطايا كما يطفئ الماء النار».
والشكور : فعول بمعنى فاعل مبالغة ، أي كثير الشكر وأطلق الشكر فيه على الجزاء