التي قال الله فيها : (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً) [الروم : ٢١].
واختلف العلماء في أن النبي صلىاللهعليهوسلم طلق وجزم به الخطابي في «شرح سنن أبي داود» : ولم يثبت تطليق النبي صلىاللهعليهوسلم بحديث صحيح والمروي في ذلك خبران ، أولهما ما رواه ابن ماجة عن سويد بن سعيد وعبد الله بن عامر بن زرارة ومسروق بن المرزبان بسندهم إلى ابن عباس عن عمر بن الخطاب أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم طلق حفصة ثم راجعها. وفي هذا السند ضعف لأن سويد بن سعيد ضعيف نسبه ابن معين إلى الكذب وضعفه ابن المديني والنسائي وابن عدي. وقبله أحمد بن حنبل وأبو حاتم. وكذلك مسروق بن المرزبان يضعف أيضا. وبقي عبد الله بن عامر بن زرارة لا متكلم فيه فيكون الحديث صحيحا لكنه غريب وهو لا يقبل فيما تتوفر الدواعي على روايته كهذا. وهذا الحديث غريب في مبدئه ومنتهاه لانفراد سعيد بن جبير بروايته عن ابن عباس ، وانفراد ابن عباس بروايته عن عمر بن الخطاب مع عدم إخراج أهل الصحيح إياه فالأشبه أنه لم يقع طلاق النبي صلىاللهعليهوسلم حفصة ولكن كانت قضية الإيلاء بسبب حفصة.
والمعروف في «الصحيح» عن عمر بن الخطاب أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم آلى من نسائه فقال الناس طلق رسول الله نساءه. قال عمر : «فقلت يا رسول الله أطلقت نساءك؟ ، قال : «لا آليت منهن شهرا». فلعل أحد رواة الحديث عن ابن عباس عبر عن الإيلاء بلفظ التطليق وعن الفيئة بلفظ راجع على أن ابن ماجه يضعف عند أهل النقد.
وثانيهما : حديث الجونية أسماء أو أميمة بنت شراحيل الكندية في «الصحيح» : أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم تزوجها وأنه لما دخل يبني بها قالت له : «أعوذ بالله منك ، فقال : قد عذت بمعاذ ألحقي بأهلك» وأمر أبا أسيد الساعدي أن يكسوها ثوبين وأن يلحقها بأهلها ، ولعلها أرادت إظهار شرفها والتظاهر بأنها لا ترغب في الرجال وهو خلق شائع في النساء.
والأشبه أن هذا طلاق وأنه كان على سبب سؤالها فهو مثل التخيير الذي قال الله تعالى فيه : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا) في سورة الأحزاب [٢٨]. فلا يعارض ذلك قوله : «أبغض الحلال إلى الله الطلاق». إذ يكون قوله ذلك مخصوصا بالطلاق الذي يأتيه الزوج بداع من تلقاء نفسه لأن علة الكراهية هي ما يخلفه الطلاق من بغضاء المطلقة من يطلقها فلا يصدر من النبيصلىاللهعليهوسلم ابتداء تجنبا من أن تبغضه المطلقة فيكون ذلك وبالا عليها ، فأما إذا سألته فقد انتفت الذريعة التي يجب سدها.