(وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ).
عطف على جملة ، (وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ). فهو تتميم وهو المقصود من التذييل وإذ قد كان حدود الله جمعا معرفا بالإضافة كان مفيدا للعموم إذ لا صارف عن إرادة العموم بخلاف إضافة حدود الله السابق.
والمعنى : من يتعد شيئا من حدود الله فقد ظلم نفسه ، وبهذا تعلم أن ليس في قوله : (وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) إظهار في مقام الإضمار لاختلاف هذين المركبين بالعموم والخصوص وجيء بهذا الإطناب لتهويل أمر هذا التعدي.
وأخبر عن متعديها بأنه ظلم نفسه للتخويف تحذيرا من تعدي هذه الحدود فإن ظلم النفس هو الجريرة عليها بما يعود بالإضرار وذلك منه ظلم لها في الدنيا بتعريض النفس لعواقب سيئة تنجر من مخالفة أحكام الدين لأن أحكامه صلاح للناس فمن فرط فيها فاتته المصالح المنطوية هي عليها.
قال : (ما يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ). [المائدة : ٦].
ومنه ظلم للنفس في الآخرة بتعريضها للعقاب المتوعد به على الإخلال بأحكام الدّين قال تعالى : (أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللهَ هَدانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) [الزمر : ٥٦ ـ ٥٨] فإن للمؤمنين حظا من هذا الوعيد بمقدار تفاوت ما بين الكفر ومجرد العصيان وجيء في هذا التحذير بمن الشرطية لإفادة عموم كل من تعدى حدود الله فيدخل في ذلك الذين يتعدون أحكام الطلاق وأحكام العدة في هذا العموم.
(لا تَدْرِي لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً).
هذه الجملة تعليل لجملة (فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَ) وما ألحق بها مما هو إيضاح لها وتفصيل لأحوالها. ولذلك جاءت مفصولة عن الجمل التي قبلها.
ويجوز كونها بدلا من جملة (وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) بدل اشتمال لأن ظلم النفس بعضه حاصل في الدنيا وهو مشتمل على إضاعة مصالح النفس عنها. وقد