والمعروف في الفراق : كف اللسان عن غيبتها وإظهار الاستراحة منها.
والمعروف في الحالين من عمل الرّجل لأنه هو المخاطب بالإمساك أو الفراق.
وأما المعروف الذي هو من عمل المرأة فمقرر من أدلة أخرى كقوله تعالى : (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) [البقرة : ٢٢٨].
وتقديم الإمساك أعني المراجعة على إمضاء المفارقة ، إيماء إلى أنه أرضى لله تعالى وأوفق بمقاصد الشريعة مع ما تقدم من التعبير عن المراجعة بالإمساك ، ففهم أن المراجعة مندوب إليها لأن أبغض الحلال إلى الله الطلاق.
ولمّا قيد أمر الإباحة من قوله : (فَأَمْسِكُوهُنَ أَوْ فارِقُوهُنَ) ، بقيد بالمعروف ، فهم منه أنّه إن كان إمساك دون المعروف فهو غير مأذون فيه وهو الإمساك الذي كان يفعله أهل الجاهلية أن يطلق الرجل امرأته فإذا قاربت انتهاء عدتها راجعها أياما ثم طلقها يفعل ذلك ثلاثا ليطيل عليها من العدة فلا تتزوج عدة أشهر إضرارا بها.
وقد تقدم هذا عند قوله تعالى : (وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَ) ، إلى قوله : (وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا) في سورة البقرة [٢٣١].
(وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ)
ظاهر وقوع هذا الأمر بعد ذكر الإمساك أو الفراق ، أنه راجع إلى كليهما لأن الإشهاد جعل تتمة للمأمور به في معنى الشرط للإمساك أو الفراق لأن هذا العطف يشبه القيد وإن لم يكن قيدا وشأن الشروط الواردة بعد جمل أن تعود إلى جميعها.
وظاهر صيغة الأمر الدلالة على الوجوب فيتركب من هذين أن يكون الإشهاد على المراجعة وعلى بتّ الطلاق واجبا على الأزواج لأن الإشهاد يرفع أشكالا من النوازل وهو قول ابن عباس وأخذ به يحيى بن بكير من المالكية والشافعي في أحد قوليه وابن حنبل في أحد قوليه وروي عن عمران بن حصين وطاوس وإبراهيم وأبي قلابة وعطاء. وقال الجمهور : الإشهاد المأمور به الإشهاد على المراجعة دون بتّ الطلاق.
أما مقتضى صيغة الأمر في قوله تعالى : (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ) فقيل هو مستحب وهو قول أبي حنيفة والمشهور عن مالك فيما حكاه ابن القصار ولعل مستند هذا القول عدم جريان العمل بالتزامه بين المسلمين في عصر الصحابة وعصور أهل العلم ، وقياسه