ومعنى إقامة الشهادة : إيقاعها مستقيمة لا عوج فيها فالإقامة مستعارة لإيقاع الشهادة على مستوفيها ما يجب فيها شرعا مما دلت عليه أدلة الشريعة وهذه استعارة شائعة وتقدم عند قوله تعالى : (وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ) في سورة البقرة [٢٨٢].
وقوله : (لِلَّهِ) ، أي لأجل الله وامتثال أمره لا لأجل المشهود له ولا لأجل المشهود عليه ولا لأجل منفعة الشاهد والإبقاء على راحته. وتقدم بعض هذا عند قوله تعالى : (وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا) في سورة البقرة [٢٨٢].
(ذلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ).
الإشارة إلى جميع ما تقدم من الأحكام التي فيها موعظة للمسلمين من قوله : (وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللهَ رَبَّكُمْ) [الطلاق : ١] ، إلى قوله : (وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلَّهِ).
والوعظ : التحذير مما يضر والتذكير المليّن للقلوب وقد تقدم عند قوله تعالى : (ذلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ) في سورة البقرة [٢٣٢] وعند قوله تعالى : (يَعِظُكُمُ اللهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ) في سورة النور [١٧].
(وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ).
اعتراض بين جملة (وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ) وجملة (وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ) [الطلاق : ٤] الآية ، فإن تلك الأحكام لما اعتبرت موعظة بقوله : (ذلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) أعقب ذلك بقضيّة عامة ، وهي أن تلك من تقوى الله تعالى وبما لتقوى الله من خير في الدنيا والآخرة على عادة القرآن من تعقيب الموعظة والترهيب بالبشارة والترغيب.
ولمّا كان أمر الطلاق غير خال من حرج وغم يعرض للزوجين وأمر المراجعة لا يخلو في بعض أحواله من تحمل أحدهما لبعض الكره من الأحوال التي سببت الطلاق ، أعلمهما الله بأنه وعد المتقين الواقفين عند حدوده بأن يجعل لهم مخرجا من الضائقات ، شبه ما هم فيه من الحرج بالمكان المغلق على الحالّ فيه وشبه ما يمنحهم الله به من اللطف وإجراء الأمور على ما يلائم أحوالهم بجعل منفذ في المكان المغلق يتخلص منه المتضايق فيه.
ففي الكلام استعارة أن إحداهما ضمنية مطوية والأخرى صريحة وشمل المخرج ما يحف من اللطف بالمتقين في الآخرة أيضا بتخليصهم من أهوال الحساب والانتظار