وقرأ الجمهور (يَتَناجَوْنَ) بصيغة التفاعل من ناجى المزيد. وقرأه حمزة ورويس ويعقوب وينتجون بصيغة الافتعال من نجا الثلاثي المجرد أي سارّ غيره ، والافتعال يرد بمعنى المفاعلة مثل اختصموا واقتتلوا.
والإثم : المعصية وهو ما يشتمل عليه تناجيهم من كلام الكفر وذم المسلمين.
و (الْعُدْوانِ) بضم العين : الظلم وهو ما يدبرونه من الكيد للمسلمين.
ومعصية الرسول مخالفة ما يأمرهم به ومن جملة ذلك أنه نهاهم عن النجوى وهم يعودون لها.
والياء للملابسة ، أي يتناجون ملابسين الإثم والعدوان ومعصية الرسول وهذه الملابسة متفاوتة. فملابسة الإثم والعدوان ملابسة المتناجى في شأنه لفعل المناجين. وملابسة معصية الرسول صلىاللهعليهوسلم ملابسة المقارنة للفعل ، لأن نجواهم بعد أن نهاهم النبي صلىاللهعليهوسلم عنها معصية وفي قوله : (نُهُوا عَنِ النَّجْوى) وقوله : (وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ) دلالة على أنهم منافقون لا يهود لأن النبي صلىاللهعليهوسلم ما كان ينهى اليهود عن أحوالهم. وهذا يرد قول من تأول الآية على اليهود وهو قول مجاهد وقتادة ، بل الحق ما في ابن عطية عن ابن عباس أنها نزلت في المنافقين.
(وَإِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْ لا يُعَذِّبُنَا اللهُ بِما نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ الْمَصِيرُ).
بعد أن ذكر حالهم في اختلاء بعضهم ببعض ذكر حال نياتهم الخبيثة عند الحضور في مجلس النبي صلىاللهعليهوسلم فإنهم يتتبعون سوء نياتهم من كلمات يتبادر منها للسامعين أنها صالحة فكانوا إذا دخلوا على النبي صلىاللهعليهوسلم يخفتون لفظ «السلام عليكم» لأنه شعار الإسلام ولما فيه من جمع معنى السلامة يعدلون عن ذلك ويقولون : أنعم صباحا ، وهي تحية العرب في الجاهلية لأنهم لا يحبون أن يتركوا عوائد الجاهلية. نقله ابن عطية عن ابن عباس.
فمعنى (بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللهُ) ، بغير لفظ السلام ، فإن الله حيّاه بذلك بخصوصه في قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب : ٥٦]. وحيّاه به في عموم الأنبياء بقوله : (قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى) [النمل : ٥٩] وتحية الله هي التحية الكاملة.