فالمخرج لهم في الآخرة هو الإسراع بهم إلى النعيم.
ولما كان من دواعي الفراق والخلاف بين الزوجين ما هو من التقتير في الإنفاق لضيق ذات اليد فكان الإحجام عن المراجعة عارضا كثيرا للناس بعد التطليق ، أتبع الوعد بجعل المخرج للمتقين بالوعد بمخرج خاص وهو مخرج التوسعة في الرزق.
وقوله : (مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) احتراس لئلا يتوهّم أحد أن طرق الرزق معطلة عليه فيستبعد ذلك فيمسك عن مراجعة المطلقة لأنه لا يستقبل ما لا ينفق منه ، فأعلمه الله أن هذا الرزق لطف من الله والله أعلم كيف يهيئ له أسبابا غير مرتقبة.
فمعنى (مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) : من مكان لا يحتسب منه الرزق أي لا يظن أنه يرزق منه.
و (حَيْثُ) مستعملة مجازا في الأحوال والوجوه تشبيها للأحوال بالجهات لأنها لما جعلت مقارنة للرزق أشبهت المكان الذي يرد منه الوارد ولذلك كانت (مِنْ) هنا للابتداء المجازي تبعا لاستعارة (حَيْثُ). ففي حرف (مِنْ) استعارة تبعية. وذكر الواحدي في «أسباب النزول» أنها نزلت في شأن عوف بن مالك الأشجعي إذ أسر المشركون ابنه سالما فأتى عوف النبي صلىاللهعليهوسلم وشكا إليه ذلك وأن أمه جزعت فقال له رسول اللهصلىاللهعليهوسلم : «اتق الله واصبر» وأمره وزوجه أن يكثرا قولا : لا حول ولا قوة إلا بالله فغفل المشركون عن الابن فساق عنزا كثيرة من عنز المشركين وجاء بها المدينة فنزلت الآية ، فيجوز أن يكون نزولها في أثناء نزول هذه السورة فصادفت الغرضين ، ويكون ذلك من قبيل معجزات القرآن.
(وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللهَ بالِغُ أَمْرِهِ).
تكملة للتي قبلها فإن تقوى الله سبب تفريج الكرب والخلاص من المضائق ، وملاحظة المسلم ذلك ويقينه بأن الله يدفع عنه ما يخطر بباله من الخواطر الشيطانية التي تثبطه عن التقوى يحقق وعد الله إياه بأن يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب.
وحسب : وصف بمعنى كاف. وأصله اسم مصدر أو مصدر.
وجملة (إِنَّ اللهَ بالِغُ أَمْرِهِ) في موضع العلة لجملة (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) ، أي لا تستبعدوا وقوع ما وعدكم الله حين ترون أسباب ذلك مفقودة فإن الله إذا وعد وعدا فقد أراده وإذا أراد الله أمرا يسّر أسبابه.