والإشارة بقوله : (ذلِكَ أَمْرُ اللهِ) إلى الأحكام المتقدمة من أول السورة. وهذه الجملة معترضة بين المتعاطفتين.
والأمر في قوله : (أَمْرُ اللهِ) : حكمه وما شرعه لكم كما قال : (وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا) [الشورى : ٥٢].
وإنزاله : إبلاغه إلى الناس بواسطة الرسول صلىاللهعليهوسلم أطلق عليه الإنزال تشبيها لشرف معانيه وألفاظه بالشيء الرفيع لأن الشريف يتخيل رفيعا. وهو استعارة كثيرة في القرآن. ففي قوله : (أَنْزَلَهُ) استعارة مكنية.
والكلام كناية عن الحث على التهمّم برعايته والعمل به وبعث الناس على التنافس في العلم به إذ قد اعتنى الله بالناس حيث أنزل إليهم ما فيه صلاحهم.
وأعيد التحريض على العمل بما أمر الله بالوعد بما هو أعظم من الأرزاق وتفريج الكرب وتيسير الصعوبات في الدنيا. وذلك هو تكفير للسيئات وتوفير للأجور.
والجملة معطوفة على الجملة المعترضة فلها حكم الاعتراض.
وجيء بالوعد من الشرط لتحقيق تعليق الجواب على شرطه.
(أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلا تُضآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى (٦))
(أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ).
هذه الجملة وما ألحق بها من الجمل إلى قوله : (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ) [الطلاق : ٨] إلخ تشريع مستأنف فيه بيان لما أجمل في الآيات السابقة من قوله : (لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَ) [الطلاق : ١] وقوله : (أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) [الطلاق : ٢] ، وقوله : (وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَ) [الطلاق : ٤] فتتنزّل هذه الجمل من اللاتي قبلها منزلة البيان لبعض ، ويدل الاشتمال لبعض وكل ذلك مقتضى للفصل. وابتدئ ببيان ما في (لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَ) [الطلاق : ١] من إجمال.
والضمير المنصوب في (أَسْكِنُوهُنَ) عائد إلى النساء المطلقات في قوله : (إِذا طَلَّقْتُمُ) [الطلاق : ١]. وليس فيما تقدم من الكلام ما يصلح لأن يعود عليه هذا الضمير إلا لفظ النساء وإلّا لفظ (أُولاتُ الْأَحْمالِ) [الطلاق : ٤] ، ولكن لم يقل أحد بأن الإسكان