ذلك على إحداث أمر المراجعة فذكر هذه الحكمة لا يقتضي تخصيص عموم اللفظ الذي قبلها إذ يكفي أن تكون حكمة لبعض أحوال العام. فالصواب أن حق السكنى للمطلقات كلهن ، وهو قول جمهور العلماء.
وقوله : (مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ) ، أي في البيوت التي تسكنونها ، أي لا يكلف المطلق بمكان للمطلقة غير بيته ولا يمنعها السكنى ببيته. وهذا تأكيد لقوله : (لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَ) [الطلاق : ١].
فإذا كان المسكن لا يسع مبيتين متفرقين خرج المطلق منه وبقيت المطلقة ، كما تقدم فيما رواه أشهب عن مالك.
و (مَنْ) الواقعة في قوله : (مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ) للتبعيض ، أي في بعض ما سكنتم ويؤخذ منه أن المسكن صالح للتبعيض بحسب عرف السكنى مع تجنب التقارب في المبيت إن كانت غير رجعية ، فيؤخذ منه أنه إن لم يسعهما خرج الزوج المطلق.
و (مِنْ) في قوله : (مِنْ وُجْدِكُمْ) بدل مطابق ، وهو بيان لقوله : (مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ) فإن مسكن المرء هو وجده الذي وجده غالبا لمن لم يكن مقترا على نفسه.
والوجد : مثلث الواو هو الوسع والطاقة. وقرأه الجمهور بضم الواو. وقرأه روح عن يعقوب بكسرها.
(وَلا تُضآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَ).
أتبع الأمر بإسكان المطلقات بنهي عن الإضرار بهن في شيء مدة العدة من ضيق محلّ أو تقتير في الإنفاق أو مراجعة يعقبها تطليق لتطويل العدة عليهن قصدا للكناية والتشفي كما تقدم عند قوله تعالى : (وَلا تَتَّخِذُوا آياتِ اللهِ هُزُواً) في سورة البقرة [٢٣١]. أو للإلجاء إلى افتدائها من مراجعته بخلع.
والضارة : الإضرار القوي فكأن المبالغة راجعة إلى النهي لا إلى المنهي عنه ، أي هو نهي شديد كالمبالغة في قوله : (وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) [فصلت : ٤٦] في أنها مبالغة في النفي ومثله كثير في القرآن.
والمراد بالتضييق : التضييق المجازي وهو الحرج والأذى.
واللام في (لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَ) لتعليل الإضرار وهو قيد جرى على غالب ما يعرض