للمطلقين من مقاصد أهل الجاهلية ، كما تقرر في قوله تعالى : (وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا) [البقرة : ٢٣١] وإلا فإن الإضرار بالمطلقات منهي عنه وإن لم يكن لقصد التضييق عليهن.
(وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَ).
ضمير (كُنَ) يعود إلى ما عاد إليه ضمير (أَسْكِنُوهُنَ) كما هو شأن ترتيب الضمائر ، وكما هو مقتضى عطف الجمل ، وليس عائدا على خصوص النساء الساكنات لأن الضمير لا يصلح لأن يكون معادا لضمير آخر.
وظاهر نظم الآية يقتضي أن الحوامل مستحقات الإنفاق دون بعض المطلقات أخذا بمفهوم الشرط ، وقد أخذ بذلك الشافعي والأوزاعي وابن أبي ليلى.
ولكن المفهوم معطل في المطلقات الرجعيات لأن إنفاقهن ثابت بأنهن زوجات. ولذلك قال مالك : إن ضمير (أَسْكِنُوهُنَ) للمطلقات البوائن كما تقدم.
ومن لم يأخذ بالمفهوم قالوا : الآية تعرضت للحوامل تأكيدا للنفقة عليهن لأن مدة الحمل طويلة فربما سئم المطلق الإنفاق ، فالمقصود من هذه الجملة هو الغاية التي بقوله : (حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَ) وجعلوا للمطلقة غير ذات الحمل الإنفاق. وبه أخذ أبو حنيفة والثوري. ونسب إلى عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود رضياللهعنهما.
وهذا الذي يرجح هو هذا القول وليس للشرط مفهوم وإنما الشرط مسوق لاستيعاب الإنفاق جميع أمد الحمل.
(فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى).
لما كان الحمل ينتهي بالوضع انتقل إلى بيان ما يجب لهن بعد الوضع فإنهن بالوضع يصرن بائنات فتنقطع أحكام الزوجية فكان السامع بحيث لا يدري هل يكون إرضاعها ولدها حقا عليها كما كان في زمن العصمة أو حقا على أبيه فيعطيها أجر إرضاعها كما كان يعطيها النفقة لأجل ذلك الولد حين كان حملا. وهذه الآية مخصصة لقوله في سورة البقرة [٢٣٣](وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَ) الآية.
وأفهم قوله : (لَكُمْ) أن إرضاع الولد بعد الفراق حق على الأب وحده لأنه كالإنفاق والأم ترضع ولدها في العصمة تبعا لإنفاق أبيه عليها عند مالك خلافا لأبي حنيفة