وجيء بفعل (كانَ) بصيغة المضي لأن الحديث عن عاقبتها في الدنيا تغليبا. وفي كل ذلك تفظيع لما لحقهم مبالغة في التحذير مما وقعوا فيه.
وجملة (أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً) بدل اشتمال من جملة (وَكانَ عاقِبَةُ أَمْرِها خُسْراً) أو بدل بعض من كل.
والمراد عذاب الآخرة لأن الإعداد التهيئة وإنما يهيّأ الشيء الذي لم يحصل.
وإن جعلت الحساب والعذاب المذكورين آنفا حساب الآخرة وعذابها كما تقدم آنفا فجملة (أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً) استئنافا لبيان أن ذلك متزايد غير مخفف منه كقوله :(فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذاباً) [النبأ : ٣٠].
(فَاتَّقُوا اللهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ الَّذِينَ آمَنُوا).
هذا التفريع المقصود على التكاليف السابقة وخاصة على قوله : (وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) [الطلاق : ١] وهو نتيجة ما مهّد له به من قوله : (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها وَرُسُلِهِ).
وفي نداء المؤمنين بوصف (أُولِي الْأَلْبابِ) إيماء إلى أن العقول الراجحة تدعو إلى تقوى الله لأنها كمال نفساني ، ولأن فوائدها حقيقية دائمة ، ولأن بها اجتناب المضار في الدنيا والآخرة ، قال تعالى : (أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ) [يونس : ٦٢ ، ٦٣] ، وقوله : (أُولِي) معناه ذوي ، وتقدم بيانه عند قوله : (وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ) [الطلاق : ٤] آنفا و (الَّذِينَ آمَنُوا) بدل من (أُولِي الْأَلْبابِ). وهذا الاتباع يومئ إلى أن قبولهم الإيمان عنوان على رجاحة عقولهم. والإتيان بصلة الموصول إشعار بأن الإيمان سبب للتقوى وجامع لمعظمها ولكن للتقوى درجات هي التي أمروا بأن يحيطوا بها.
(قَدْ أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً (١٠) رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللهِ مُبَيِّناتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ).
في هذه الجملة معنى العلة للأمر بالتقوى لأن إنزال الكتاب نفع عظيم لهم مستحق شكرهم عليه.
وتأكيد الخبر ب (قَدْ) للاهتمام به وبعث النفوس على تصفح هذا الكتاب ومتابعة