(وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ اللهُ لَهُ رِزْقاً).
عطف على الأمر بالتقوى والتنويه بالمتقين والعناية بهم هذا الوعد على امتثالهم بالنعيم الخالد بصيغة الشرط للدلالة على أن ذلك نعيم مقيّد حصوله لراغبيه بأن يؤمنوا ويعملوا الصالحات.
و (صالِحاً) نعت لموصوف محذوف دل عليه (يَعْمَلْ) أي عملا صالحا ، وهو نكرة في سياق الشرط تفيد العموم كإفادته إياه في سياق النفي. فالمعنى : ويعمل جميع الصالحات ، أي المأمور بها أمرا جازما بقرينة استقراء أدلة الشريعة.
وتقدم نظير هذه الآية في مواضع كثيرة من القرآن.
وجملة (قَدْ أَحْسَنَ اللهُ لَهُ رِزْقاً) حال من الضمير المنصوب في (يُدْخِلْهُ) ولذلك فذكر اسم الجلالة إظهار في مقام الإضمار لتكون الجملة مستقلة بنفسها.
والرزق : كل ما ينتفع به وتنكيره هنا للتعظيم ، أي رزقا عظيما.
وقرأ نافع وابن كثير وابن عامر ندخله بنون العظمة. وقرأه الباقون بالتحتية على أنه عائد إلى اسم الجلالة من قوله : (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ) وعلى قراءة نافع وابن عامر يكون فيه سكون الالتفات.
(اللهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللهَ قَدْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً (١٢))
اسم الجلالة خبر مبتدأ محذوف تقديره : هو الله. وهذا من حذف المسند إليه لمتابعة الاستعمال كما سماه السكاكي ، فإنه بعد أن جرى ذكر شئون من عظيم شئون الله تعالى ابتداء من قوله : (وَاتَّقُوا اللهَ رَبَّكُمْ) [الطلاق : ١] إلى هنا ، فقد تكرر اسم الجلالة وضميره والإسناد إليه زهاء ثلاثين مرة فاقتضى المقام عقب ذلك أن يزاد تعريف الناس بهذا العظيم ، ولمّا صار البساط مليئا بذكر اسمه صح حذفه عند الإخبار عنه إيجازا وقد تقدم قوله تعالى : (رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما) في سورة مريم [٦٥] ، وكذلك عند قوله : (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ) [البقرة : ١٨] ، وقوله : (مَقامِ إِبْراهِيمَ) في سورة البقرة [١٢٥].
فالجملة على هذا الوجه مستأنفة استئنافا ابتدائيا.