وفعل (تُحَرِّمُ) مستعمل في معنى : تجعل ما أحلّ لك حراما ، أي تحرّمه على نفسك كقوله تعالى : (إِلَّا ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ) [آل عمران : ٩٣] وقرينته قوله هنا : (ما أَحَلَّ اللهُ لَكَ).
وليس معنى التحريم هنا نسبة الفعل إلى كونه حراما كما في قوله تعالى : (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ) [الأعراف : ٣٢] ، وقوله : (يُحِلُّونَهُ عاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عاماً) [التوبة : ٣٧] ، فإن التفعيل يأتي بمعنى التصبير كما يقال : وسّع هذا الباب ويأتي بمعنى إيجاد الشيء على حالة مثل ما يقال للخياط : وسّع طوق الجبّة.
ولا يخطر ببال أحد أن يتوهم منه أنك غيّرت إباحته حراما على الناس أو عليك. ومن العجيب قول «الكشاف» : ليس لأحد أن يحرّم ما أحلّ الله لأن الله إنما أحله لمصلحة عرفها في إحلاله إلخ.
وصيغة المضارع في قوله : (لِمَ تُحَرِّمُ) لأنه أوقع تحريما متجددا.
فجملة (تَبْتَغِي) حال من ضمير (تُحَرِّمُ). فالتعجيب واقع على مضمون الجملتين مثل قوله : (لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً) [آل عمران : ١٣٠].
وفي الإتيان بالموصول في قوله : (ما أَحَلَّ اللهُ لَكَ) لما في الصلة من الإيماء إلى تعليل الحكم هو أن ما أحله الله لعبده ينبغي له أن يتمتع به ما لم يعرض له ما يوجب قطعه من ضر أو مرض لأن تناوله شكر لله واعتراف بنعمته والحاجة إليه.
وفي قوله : (تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ) عذر للنبي صلىاللهعليهوسلم فيما فعله من أنه أراد به خيرا وهو جلب رضا الأزواج لأنه أعون على معاشرته مع الإشعار بأن مثل هذه المرضاة لا يعبأ بها لأن الغيرة نشأت عن مجرد معاكسة بعضهن بعضا وذلك مما يختل به حسن المعاشرة بينهن ، فأنبأه الله أن هذا الاجتهاد معارض بأن تحريم ما أحلّ الله له يفضي إلى قطع كثير من أسباب شكر الله عند تناول نعمه وأن ذلك ينبغي إبطاله في سيرة الأمة.
وذيل بجملة (وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) استئناسا للنبي صلىاللهعليهوسلم من وحشة هذا الملام ، أي والله غفور رحيم لك مثل قوله : (عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ) [التوبة : ٤٣].
(قَدْ فَرَضَ اللهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ وَاللهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (٢))
استئناف بياني بيّن الله به لنبيه صلىاللهعليهوسلم أن له سعة في التحلل مما التزم تحريمه على