آخرها صفة ثانية.
ومعنى (عَلَيْها) أنهم موكلون بها. فالاستعلاء المفاد من حرف (على) مستعار للتمكن كما تقدم في قوله تعالى : (أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ) [البقرة : ٥]. وفي الحديث «فلم يكن على بابه بوّابون».
و (غِلاظٌ) جمع غليظ وهو المتصف بالغلظة. وهي صفة مشبهة وفعلها مثل كرم. وهي هنا مستعارة لقساوة المعاملة كقوله تعالى : (وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) [آل عمران : ١٥٩] أي لو كنت قاسيا لما عاشروك.
و «شداد» : جمع شديد. والشدة بكسر الشين حقيقتها قوة العمل المؤذي والموصوف بها شديد. والمعنى : أنهم أقوياء في معاملة أهل النار الذين وكلوا بهم : يقال : اشتدّ فلان على فلان ، أي أساء معاملته ، ويقال : اشتدّت الحرب ، واشتدت البأساء. والشدة من أسماء البؤس والجوع والقحط.
وجملة (لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ) ثناء عليهم أعقب به وصفهم بأنهم غلاظ شداد تعديلا لما تقتضيانه من كراهية نفوس الناس إياهم ، وهذا مؤذن بأنهم مأمورون بالغلظة والشدة في تعذيب أهل النار.
وأما قوله : (وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ) فهو تصريح بمفهوم (لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ) دعا إليه مقام الإطناب في الثناء عليهم ، مع ما في هذا التصريح من استحضار الصورة البديعة في امتثالهم لما يؤمرون به. وقد عطف هذا التأكيد عطفا يقتضي المغايرة تنويها بهذه الفضيلة لأن فعل المأمور أوضح في الطاعة من عدم العصيان واعتبار لمغايرة المعنيين وإن كان قالهما واحد ولك أن تجعل مرجع (لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ) أنهم لا يعصون فيما يكلفون به من أعمالهم الخاصة بهم ، ومرجع (وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ) إلى ما كلفوا بعمله في العصاة في جهنم.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٧))
هو من قول الملائكة الذين على النار. وذكر هذه المقالة هنا استطراد يفيد التنفير من جهنم بأنها دار أهل الكفر كما قال تعالى : (فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ) [البقرة : ٢٤] ، وإلّا فإن سياق الآية تحذير للمؤمنين من الموبقات في النار.