ومعنى (ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) مماثل (ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) ، وأفادت (إِنَّما) قصر الجزاء على مماثلة العمل المجزى عليه قصر قلب لتنزيلهم منزلة من اعتذر وطلب أن يكون جزاؤه أهون مما شاهده.
والاعتذار : افتعال مشتق من العذر. ومادة الافتعال فيه دالة على تكلف الفعل مثل الاكتساب والاختلاق ، والعذر : الحجة التي تبرئ صاحبها من تبعة عمل ما. وليس لمادة الاعتذار فعل مجرد دال على إيجاد العذر وإنما الموجود عذر بمعنى قبل العذر ، وقد تقدم عند قوله تعالى : (وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرابِ) في سورة براءة [٩٠].
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا وَاغْفِرْ لَنا إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٨))
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ).
أعيد خطاب المؤمنين وأعيد نداؤهم وهو نداء ثالث في هذه السورة. والذي قبله نداء للواعظين. وهذا نداء للموعوظين وهذا الأسلوب من أساليب الإعراض المتهم بها.
أمر المؤمنين بالتوبة من الذنوب إذا تلبسوا بها لأن ذلك من إصلاح أنفسهم بعد أن أمروا بأن يجنّبوا أنفسهم وأهليهم ما يزجّ بهم في عذاب النار ، لأن اتقاء النار يتحقق باجتناب ما يرمي بهم فيها ، وقد يذهلون عما فرط من سيئاتهم فهدوا إلى سبيل التوبة التي يمحون بها ما فرط من سيئاتهم.
وهذا ناظر إلى ما ذكر من موعظة امرأتي النبي صلىاللهعليهوسلم بقوله : (إِنْ تَتُوبا إِلَى اللهِ) [التحريم : ٤].
والتوبة : العزم على عدم العود إلى العصيان مع الندم على ما فرط منه فيما مضى. وتقدمت عند قوله تعالى : (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ) في سورة البقرة [٣٧]. وفي مواضع أخرى وخاصة عند قوله تعالى : (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ) في سورة النساء [١٧]. وتعديتها بحرف (إلى) لأنها في معنى الرجوع لأن (تاب) أخو (ثاب).