ويجوز أن يكون عموم (شَيْئاً) مرادا به الخصوص ، أي ليس بضارّهم شيئا مما يوهمه تناجي المنافقين من هزيمة أو قتل إلا بتقدير الله حصول هزيمة أو قتل.
والمعنى : أن التناجي يوهم الذين آمنوا ما ليس واقعا فأعلمهم الله أن لا يحزنوا بالنجوى لأن الأمور تجري على ما قدره الله في نفس الأمر حتى تأتيهم الأخبار الصادقة.
وتقديم الجار والمجرور في قوله تعالى : (وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) للاهتمام بمدلول هذا المتعلق.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللهُ لَكُمْ وَإِذا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (١١))
فصل بين آيات الأحكام المتعلقة بالنجوى بهذه الآية مراعاة لاتحاد الموضوع بين مضمون هذه الآية ومضمون التي بعدها في أنهما يجمعهما غرض التأدب مع الرسولصلىاللهعليهوسلم ، وتلك المراعاة أولى من مراعاة اتحاد سياق الأحكام.
ففي هذه الآية أدب في مجلس الرسول صلىاللهعليهوسلم ، والآية التي بعدها تتعلق بالأدب في مناجاة الرسول صلىاللهعليهوسلم ، وأخرت تلك عن آيات النجوى العامة إيذانا بفضلها دون النجوى التي تضمنتها الآيات السابقة ، فاتحاد الجنس في النجوى هو مسوغ الانتقال من النوع الأول إلى النوع الثاني ، والإيماء إلى تميزها بالفضل هو الذي اقتضى الفصل بين النوعين بآية أدب المجلس النبوي.
وأيضا قد كان للمنافقين نية مكر في قضية المجلس كما كان لهم نية مكر في النجوى ، وهذا مما أنشأ مناسبة الانتقال من الكلام على النجوى إلى ذكر التفسح في المجلس النبوي الشريف.
روي عن مقاتل أنه قال : كان النبي صلىاللهعليهوسلم في الصفّة ، وكان في المكان ضيق في يوم الجمعة فجاء ناس من أهل بدر فيهم ثابت بن قيس بن شماس قد سبقوا في المجلس فقاموا على أرجلهم ينتظرون أن يفسح لهم وكان النبي صلىاللهعليهوسلم يكرم أهل بدر فقال لمن حوله : قم يا فلان بعدد الواقفين من أهل بدر فشقّ ذلك على الذين أقيموا ، وغمز المنافقون وقالوا : ما أنصف هؤلاء ، وقد أحبّوا القرب من نبيئهم فسبقوا إلى مجلسه فأنزل