إلا أن الله تفضّل على المسلمين فغفر الصغائر لمن اجتنب الكبائر ، أخذ ذلك من قوله تعالى : (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ) وقد مضى القول فيه في تفسير سورة النجم [٣٢].
ولو عاد التائب إلى بعض الذنوب أو جميعها ما عدا الكفر اختلف فيه علماء الأمة فالذي ذهب إليه أهل السنة أن التوبة تنتقض بالعودة إلى بعض الذنوب في خصوص الذنب المعود إليه ولا تنتقض فيما سواه. وأن العود معصية تجب التوبة منها. وقال المعتزلة : تنتقض بالعودة إلى بعض الذنوب فتعود إليه ذنوبه ووافقهم الباقلاني.
وليس في أدلة الكتاب والسنة ما يشهد لأحد الفريقين.
والرجاء المستفاد من فعل (عَسى) مستعمل في الوعد الصادر عن المتفضل على طريقة الاستعارة وذلك التائب لا حق له في أن يعفى عنه ما اقترفه لأن العصيان قد حصل وإنما التوبة عزم على عدم العودة إلى الذنب ولكن ما لصاحبها من الندم والخوف الذي بعث على العزم دل على زكاء النفس فجعل الله جزاءه أن يمحو عنه ما سلف من الذنوب تفضلا من الله فذلك معنى الرجاء المستفاد من (عَسى).
وقد أجمع علماء الإسلام على أن التوبة من الكفر بالإيمان مقبولة قطعا لكثرة أدلة الكتاب والسنة ، واختلفوا في تعيّن قبول توبة العاصي من المؤمنين ، فقال جمهور أهل السنة : قبولها مرجوّ غير مقطوع ، وممن قال به الباقلاني وإمام الحرمين وعن الأشعري أنه مقطوع به سمعا ، والمعتزلة مقطوع به عقلا.
وتكفير السيئات : غفرانها ، وهو مبالغة في كفر المخفف المتعدي الذي هو مشتق من الكفر بفتح الكاف ، أي الستر.
(يَوْمَ لا يُخْزِي اللهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا وَاغْفِرْ لَنا إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).
(يَوْمَ) ظرف متعلق ب (يُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ) وهو تعليق تخلص إلى الثناء على الرسول صلىاللهعليهوسلم والمؤمنين معه. وهو يوم القيامة وهذا الثناء عليهم بانتفاء خزي الله عنهم تعريض بأن الذين لم يؤمنوا معه يخزيهم الله يوم القيامة وذكر النبي صلىاللهعليهوسلم مع الذين آمنوا لتشريف المؤمنين ولا علاقة له بالتعريض.
والخزي : هو عذاب النار ، وحكى الله تعالى عن إبراهيم عليهالسلام قوله : (وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ) [الشعراء : ٨٧] على أن انتفاء الخزي يومئذ يستلزم الكرامة إذ لا واسطة بينهما كما