استفادة المعنى من هذا النظم البديع مذاهب كثيرة وما سلكناه أوضح منها.
وانتصب (دَرَجاتٍ) ، على أنه ظرف مكان يتعلق ب (يَرْفَعِ) أي : يرفع الله الذين آمنوا رفعا كائنا في درجات.
ويجوز أن يكون نائبا عن المفعول المطلق ل (يَرْفَعِ) لأنها درجات من الرفع ، أي مرافع.
والدرجات مستعارة للكرامة فإن الرفع في الآية رفعا مجازيا ، وهو التفضيل والكرامة وجيء للاستعارة بترشيحها بكون الرفع درجات. وهذا الترشيح هو أيضا استعارة مثل الترشيح في قوله تعالى : (يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ) [الرعد : ٢٥] وهذا أحسن الترشيح. وقد تقدم نظيره في قوله تعالى في سورة الأنعام [٨٣](نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ).
وقال عبد الله بن مسعود وجماعة من أهل التفسير : إن قوله : (وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ) كلام مستأنف وتم الكلام عند قوله : (مِنْكُمْ) قال ابن عطية : ونصب بفعل مضمر ولعله يعني : نصب (دَرَجاتٍ) بفعل هو الخبر عن المبتدأ ، والتقدير : جعلهم.
وجملة (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) تذييل ، أي الله عليم بأعمالكم ومختلف نياتكم من الامتثال كقول النبي صلىاللهعليهوسلم «لا يكلم أحد في سبيل الله. والله أعلم بمن يكلم في سبيله» الحديث.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً ذلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٢))
استئناف ابتدائي عاد به إلى ذكر بعض أحوال النجوى وهو من أحوالها المحمودة. والمناسبة هي قوله تعالى : (وَتَناجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوى) [المجادلة : ٩]. فهذه الصدقة شرعها الله تعالى وجعل سببها مناجاة الرسول صلىاللهعليهوسلم ، فذكرت عقب آي النجوى لاستيفاء أنواع النجوى من محمود ومذموم. وقد اختلف المتقدمون في سبب نزول هذه الآية ، وحكمة مشروعية صدقة المناجاة. فنقلت عن ابن عباس وقتادة وجابر بن زياد وزيد بن أسلم ومقاتل أقوال في سبب نزولها متخالفة ، ولا أحسبهم يريدون منها إلا حكاية أحوال للنجوى كانت شائعة ، فلما نزل حكم صدقة النجوى أقلّ الناس من النجوى. وكانت عبارات الأقدمين