من أهل الجنة يستأذن ربه أن يزرع ، فيقول الله : أو لست فيما شئت قال : بلى ولكن أحب أن أزرع ، فأسرع وبذر فيبادر الطرف نباته واستواؤه واستحصاده وتكويره أمثال الجبال. وكان رجل من أهل البادية عند النبي صلىاللهعليهوسلم فقال : يا رسول الله لا نجد هذا إلا قرشيا أو أنصاريا فإنهم أصحاب زرع فأما نحن فلسنا بأصحاب زرع ، فضحك النبيصلىاللهعليهوسلم إقرارا لما فهمه الأعرابي».
وفي حديث جابر بن عبد الله عن مسلم أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «يبعث كل عبد على ما مات عليه». قال عياض في «الإكمال» : هو عام في كل حالة مات عليها المرء. قال السيوطي : يبعث الزمار بمزماره. وشارب الخمر بقدحه ا ه. قلت : ثم تتجلى لهم الحقائق على ما هي عليه إذ تصير العلوم على الحقيقة.
وختم هذا الكلام بقوله تعالى : (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ) وهو تذييل جامع لحال كذبهم الذي ذكره الله بقوله : (وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ) [المجادلة : ١٤]. فالمراد أن كذبهم عليكم لا يماثله كذب ، حتى قصرت صفة الكاذب عليهم بضمير الفصل في قوله : (إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ) وهو قصر ادعائي للمبالغة لعدم الاعتداد بكذب غيرهم. وأكد ذلك بحرف التوكيد توكيدا لمفاد الحصر الادعائي ، وهو أن كذب غيرهم كلا كذب في جانب كذبهم ، وبأداة الاستفتاح المقتضية استمالة السمع لخبرهم لتحقيق تمكن صفة الكذب منهم حتى أنهم يلازمهم يوم البعث.
(اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ فَأَنْساهُمْ ذِكْرَ اللهِ أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ (١٩))
استئناف بياني لأن ما سيق من وصفهم بانحصار صفة الكذب فيهم يثير سؤال السامع أن يطلب السبب الذي بلغ بهم إلى هذا الحال الفظيع فيجاب بأنه استحواذ الشيطان عليهم وامتلاكه زمام أنفسهم يصرّفها كيف يريد وهل يرضى الشيطان إلا بأشد الفساد والغواية.
والاستحواذ : الاستيلاء والغلب ، وهو استفعال من حاذ حوذا ، إذا حاط شيئا وصرّفه كيف يريد. يقال : حاذ العير إذا جمعها وساقها غالبا لها. فاشتقّوا منه استفعل للذي يستولي بتدبير ومعالجة ، ولذلك لا يقال : استحوذ إلا في استيلاء العاقل لأنّه يتطلب وسائل استيلاء. ومثله استولى. والسين والتاء للمبالغة في الغلب مثلها في : استجاب.
والأحوذي : القاهر للأمور الصعبة. وقالت عائشة : «كان عمر أحوذيا نسيج وحده».