مما يحق العناية باستحضاره في الأذهان مبالغة في التحذير من الاندماج فيهم ، والتلبس بمثل أحوالهم المذكورة آنفا. وزيد هذا التحذير اهتماما بتأكيد الخبر بحرف (إِنَ) وبصيغة القصر ، إذ لا يتردد أحد في أن حزب الشيطان خاسرون فإن ذلك من القضايا المسلمة بين البشر ، فلذلك لم تكن هذه المؤكدات لرد الإنكار لتحذير المسلمين أن تغرهم حبائل الشيطان وتروق في أنظارهم بزة المنافقين وتخدعهم أيمانهم الكاذبة.
وإظهار كلمة (حِزْبُ الشَّيْطانِ) دون ضمير هم لزيادة التصريح ولتكون الجملة صالحة للتمثل به مستقلة بدلالتها.
وضمير الفصل أفاد القصر ، وهو قصر ادعائي للمبالغة في مقدار خسرانهم وأنه لا خسران أشد منه فكأن كل خسران غيره عدم فيدعى أن وصف الخاسر مقصور عليهم.
وحزب المرء : أنصاره وجنده ومن يواليه.
[٢٠ ، ٢١] (إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ (٢٠) كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (٢١))
موقع هذه الآية بعد ما ذكر من أحوال المنافقين يشبه موقع آية (إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَما كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) [المجادلة : ٥]. فالذين يحادون الله ورسوله المتقدم ذكرهم المشركون المعلنون بالمحادّة. وأما المحادّون المذكورون في هذه الآية فهم المسرّون للمحادّة المتظاهرون بالموالاة ، وهم المنافقون ، فالجملة استئناف بياني بينت شيئا من الخسران الذي قضى به على حزب الشيطان الذي هم في مقدمته. وبهذا تكتسب هذه الجملة معنى بدل البعض من مضمون جملة (أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ) [المجادلة : ١٩] ، لأن الخسران يكون في الدنيا والآخرة ، وخسران الدنيا أنواع أشدّها على الناس المذلة والهزيمة ، والمعنى : أن حزب الشيطان في الأذلّين والمغلوبين.
واستحضارهم بصلة (إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللهَ وَرَسُولَهُ) إظهار في مقام الإضمار فمقتضى الظاهر أن يقال : إنهم في الأذلين فأخرج الكلام على خلاف مقتضى الظاهر إلى الموصولية لإفادة مدلول الصلة أنهم أعداء لله تعالى ورسوله صلىاللهعليهوسلم وإفادة الموصول تعليل الحكم الوارد بعده وهو كونهم أذلّين لأنهم أعداء رسول الله صلىاللهعليهوسلم فهم أعداء الله القادر على كل شيء فعدوّه لا يكون عزيزا.