الْإِيمانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٢٢))
(لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ).
كان للمنافقين قرابة بكثير من أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم ، وكان نفاقهم لا يخفى على بعضهم ، فحذر الله المؤمنين الخالصين من موادّة من يعادي الله ورسوله صلىاللهعليهوسلم.
ورويت ثمانية أقوال متفاوتة قوة أسانيد استقصاها القرطبي في نزول هذه الآية وليس يلزم أن يكون للآية سبب نزول فإن ظاهرها أنها متصلة المعنى بما قبلها وما بعدها من ذم المنافقين وموالاتهم اليهود ، فما ذكر فيها من قصص لسبب نزولها فإنما هو أمثلة لمقتضى حكمها.
وافتتاح الكلام ب (لا تَجِدُ قَوْماً) يثير تشويقا إلى معرفة حال هؤلاء القوم وما سيساق في شأنهم من حكم.
والخطاب للنبي صلىاللهعليهوسلم. والمقصود منه أمره بإبلاغ المسلمين أن موادّة من يعلم أنه محادّ الله ورسوله هي مما ينافي الإيمان ليكف عنها من عسى أن يكون متلبسا بها. فالكلام من قبل الكناية عن السعي في نفي وجدان قوم هذه صفتهم ، من قبيل قولهم : لا أرينّك هاهنا ، أي لا تحضر هنا.
ومنه قوله تعالى : (قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللهَ بِما لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ) [يونس : ١٨] أراد بما لا يكون ، لأن ما لا يعلمه الله لا يجوز أن يكون موجودا ، وكانت هذه عادة المؤمنين قبل الهجرة أيام كانوا بمكة. وقد نقلت أخبار من شواهد ذلك متفاوتة القوة ولكن كان الكفر أيامئذ مكشوفا والعداوة بين المؤمنين والمشركين واضحة. فلما انتقل المسلمون إلى المدينة كان الكفر مستورا في المنافقين فكان التحرز من موادّتهم أجدر وأحذر.
والموادّة أصلها : حصول المودّة في جانبين. والنهي هنا إنما هو عن مودة المؤمن الكافرين لا عن مقابلة الكافر المؤمنين بالمودّة ، وإنما جيء بصيغة المفاعلة هنا اعتبارا بأن شأن الودّ أن يجلب ودّا من المودود للوادّ.