الحقيقة ووقع تعلق وتعليق (وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ) به على اعتبار المجاز العقلي ، فالمجاز في التعليق الثاني.
وأما معنى التخريب فهو حقيقي بالنسبة لكلا المتعلقين فإن المعنى الحقيقي فيهما هو العبرة التي نبه عليها قوله تعالى : (فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ) ، أي اعتبروا بأن كان تخريب بيوتهم بفعلهم وكانت آلات التخريب من آلاتهم وآلات عدوهم.
والاعتبار : النظر في دلالة الأشياء على لوازمها وعواقبها وأسبابها. وهو افتعال من العبرة ، وهي الموعظة. وقول «القاموس» : هي العجب قصور.
وتقدم في قوله تعالى : (لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ) في سورة يوسف [١١١].
والخطاب في قوله : (يا أُولِي الْأَبْصارِ) موجّه إلى غير معين. ونودي أولو الأبصار بهذه الصلة ليشير إلى أن العبرة بحال بني النضير واضحة مكشوفة لكل ذي بصر مما شاهد ذلك ، ولكل ذي بصر يرى مواقع ديارهم بعدهم ، فتكون له عبرة قدرة الله على إخراجهم وتسليط المسلمين عليهم من غير قتال. وفي انتصار الحق على الباطل وانتصار أهل اليقين على المذبذبين.
وقد احتج بهذه الآية بعض علماء الأصول لإثبات حجّيّة القياس بناء على أنه من الاعتبار.
(وَلَوْ لا أَنْ كَتَبَ اللهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابُ النَّارِ (٣))
(وَلَوْ لا أَنْ كَتَبَ اللهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيا).
جملة معترضة ناشئة عن جملة (هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) [الحشر : ٢]. فالواو اعتراضية ، أي أخرجهم الله من قريتهم عقابا لهم على كفرهم وتكذيبهم للرسول صلىاللهعليهوسلم كما قال : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ) [الحشر : ٤] ولو لم يعاقبهم الله بالجلاء لعاقبهم بالقتل والأسر لأنهم استحقّوا العقاب. فلو لم يقذف في قلوبهم الرعب حتى استسلموا لعاقبهم بجوع الحصار وفتح ديارهم عنوة فعذبوا قتلا وأسرا.
والمراد بالتعذيب : الألم المحسوس بالأبدان بالقتل والجرح والأسر والإهانة وإلّا