فإن الإخراج من الديار نكبة ومصيبة لكنها لا تدرك بالحس وإنما تدرك بالوجدان.
و (لَوْ لا) حرف امتناع لوجود ، تفيد امتناع جوابها لأجل وجود شرطها ، أي وجود تقدير الله جلاءهم سبب لانتفاء تعذيب الله إياهم في الدنيا بعذاب آخر.
وإنما قدر الله لهم الجلاء دون التعذيب في الدنيا لمصلحة اقتضتها حكمته ، وهي أن يأخذ المسلمون أرضهم وديارهم وحوائطهم دون إتلاف من نفوس المسلمين مما لا يخلو منه القتال لأن الله أراد استبقاء قوة المسلمين لما يستقبل من الفتوح ، فليس تقدير الجلاء لهم لقصد اللطف بهم وكرامتهم وإن كانوا قد آثروه على الحرب.
ومعنى (كَتَبَ اللهُ عَلَيْهِمُ) قدّر لهم تقديرا كالكتابة في تحقق مضمونه وكان مظهر هذا التقدير الإلهي ما تلاحق بهم من النكبات من جلاء النضير ثم فتح قريظة ثم فتح خيبر.
والجلاء : الخروج من الوطن بنية عدم العود ، قال زهير :
فإن الحق مقطعه ثلاث |
|
يمين أو نفار أو جلاء |
وأعلم أن (أَنْ) الواقعة بعد (لَوْ لا) هنا مصدرية لأن (أَنْ) الساكنة النون إذا لم تقع بعد فعل علم يقين أو ظن ولا بعد ما فيه معنى القول ، فهي مصدرية وليست مخففة من الثقيلة.
(وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابُ النَّارِ)
عطف على جملة (وَلَوْ لا أَنْ كَتَبَ اللهُ عَلَيْهِمُ) الآية ، أو على جملة (هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا) [الحشر : ٢] ، وليس عطفا على جواب (لَوْ لا) فإن عذاب النار حاقّ عليهم وليس منتفيا. والمقصود الاحتراس من توهم أنّ الجلاء بدل من عذاب الدنيا ومن عذاب الآخرة.
(ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِّ اللهَ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (٤))
الإشارة إلى جميع ما ذكر من إخراج الذين كفروا من ديارهم ، وقذف الرعب في قلوبهم ، وتخريب بيوتهم ، وإعداد العذاب لهم في الآخرة.
والباء للسببية وهي جارّة للمصدر المنسبك من (أنّ) وجملتها.