فتكون الآية تبيينا لما وقع في قسمة فيء بني النضير. ذلك أن رسول اللهصلىاللهعليهوسلم لم يقسمه على جميع الغزاة ولكن قسمه على المهاجرين سواء كانوا ممّن غزوا معه أم لم يغزوا إذ لم يكن للمهاجرين أموال. فأراد أن يكفيهم ويكفي الأنصار ما منحوه المهاجرين من النخيل. ولم يعط منه الأنصار إلا ثلاثة لشدة حاجتهم وهم أبو دجانة (سماك بن خزينة) ، وسهل بن حنيف ، والحارث بن الصّمّة. وأعطى سعد بن معاذ سيف أبي الحقيق. وكل ذلك تصرّف باجتهاد الرسول صلىاللهعليهوسلم لأن الله جعل تلك الأموال له.
فإن كانت الآية نزلت بعد أن قسمت أموال النضير كانت بيانا بأن ما فعله الرسولصلىاللهعليهوسلم حقّ ، أمره الله به ، أو جعله إليه ، وإن كانت نزلت قبل القسمة ، إذ روي أن سبب نزولها أن الجيش سألوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم تخميس أموال بني النضير مثل غنائم بدر فنزلت هذه الآية ، كانت الآية تشريعا لاستحقاق هذه الأموال.
قال أبو بكر ابن العربي : «لا خلاف بين العلماء أن الآية الأولى خاصة لرسول اللهصلىاللهعليهوسلم» أي هذه الآية الأولى من الآيتين المذكورتين في هذه السورة خاصة بأموال بني النضير ، وعلى أنها خاصة لرسول الله صلىاللهعليهوسلم يضعها حيث يشاء. وبذلك قال عمر بن الخطاب بمحضر عثمان ، وعبد الرحمن بن عوف ، والزبير ، وسعد ، وهو قول مالك فيما روى عنه ابن القاسم وابن وهب. قال : كانت أموال بني النضير صافية لرسول اللهصلىاللهعليهوسلم ، واتفقوا على أن النبي صلىاللهعليهوسلم لم يخمسها. واختلف في القياس عليها كل مال لم يوجف عليه. قال ابن عطية : قال بعض العلماء وكذلك كل ما فتح الله على الأئمة مما لم يوجف عليه فهو لهم خاصة اه. وسيأتي تفسير ذلك في الآية بعدها.
(ما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (٧))
(ما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ).
جمهور العلماء جعلوا هذه الآية ابتداء كلام ، أي على الاستئناف الابتدائي ، وأنها قصد منها حكم غير الحكم الذي تضمنته الآية التي قبلها. ومن هؤلاء مالك وهو قول الحنفية فجعلوا مضمون الآية التي قبلها أموال بني النضير خاصة ، وجعلوا الآية الثانية هذه إخبارا عن حكم الأفياء التي حصلت عند فتح قرى أخرى بعد غزوة بني النضير. مثل