فتعيّن أن حرف (قَدْ) هنا مستعمل في التوقع ، أي الإشعار بحصول ما يتوقعه السامع. قال في «الكشاف» : لأن رسول الله صلىاللهعليهوسلم والمجادلة كانا يتوقعان أن يسمع الله لمجادلتها وشكواها وينزل في ذلك ما يفرج عنها ا ه.
ومعنى التوقع الذي يؤذن به حرف (قَدْ) في مثل هذا يؤول إلى تنزيل الذي يتوقع حصول أمر لشدة استشرافه له منزلة المتردد الطالب فتحقيق الخبر من تخريج الكلام على خلاف مقتضى الظاهر لنكتة كما قالوا في تأكيد الخبر ب (إنّ) في قوله تعالى : (وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ) [المؤمنون : ٢٧] إنه جعل غير السائل كالسائل حيث قدم إليه ما يلوّح إليه بالخبر فيستشرف له استشراف الطالب المتردد. ولهذا جزم الرضيّ في «شرح الكافية» بأن قد لا بدّ فيها من معنى التحقيق. ثم يضاف إليه في بعض المواضع معان أخرى.
والسماع في قوله : (سَمِعَ) معناه الاستجابة للمطلوب وقبوله بقرينة دخول (قَدْ) التوقعية عليه فإن المتوقّع هو استجابة شكواها.
وقد استحضرت المرأة بعنوان الصلة تنويها بمجادلتها وشكواها لأنها دلت على توكلها الصادق على رحمة ربها بها وبأبنائها وبزوجها.
والمجادلة : الاحتجاج والاستدلال ، وتقدمت في قوله : (يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ) في سورة الأنفال [٦].
والاشتكاء : مبالغة في الشكوى وهي ذكر ما آذاه ، يقال : شكا وتشكى واشتكى وأكثرها مبالغة. اشتكى ، والأكثر أن تكون الشكاية لقصد طلب إزالة الضرّ الذي يشتكي منه بحكم أو نصر أو إشارة بحيلة خلاص.
وتعلق فعل التجادل بالكون في زوجها على نية مضاف معلوم من المقام في مثل هذا بكثرة : أي في شأن زوجها وقضيته كقوله تعالى : (يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ) [هود : ٧٤] ، وقوله : (وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا) [المؤمنون : ٢٧] وهو من المسألة الملقبة في «أصول الفقه» بإضافة التحليل والتحريم إلى الأعيان في نحو (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ) [المائدة : ٣].
والتحاور تفاعل من حار إذا أجاب. فالتحاور حصول الجواب من جانبين ، فاقتضت مراجعة بين شخصين.