سبق اسم الإشارة من الصفات وهي أنهم أخرجوا من ديارهم وأموالهم وابتغاؤهم فضلا من الله ورضوانا ونصرهم الله ورسوله فإن الأعمال الخالصة فيما عملت لأجله يشهد للإخلاص فيها ما يلحق عاملها من مشاقّ وأذى وإضرار ، فيستطيع أن يخلص منها لو ترك ما عمله لأجلها أو قصر فيه.
وجملة (هُمُ الصَّادِقُونَ) مفيدة القصر لأجل ضمير الفصل وهو قصر ادعائي للمبالغة في وصفهم بالصدق الكامل كأنّ صدق غيرهم ليس صدقا في جانب صدقهم.
وموقع قوله : (أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) كموقع قوله : (وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) في سورة البقرة [٥].
(وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٩))
الأظهر أن (الَّذِينَ) عطف على (الْمُهاجِرِينَ) [الحشر : ٨] أي والذين تبوّءوا الدار. والذين تبوّءوا الدار هم الأنصار.
والدّار تطلق على البلاد ، وأصلها موضع القبيلة من الأرض. وأطلقت على القرية قال تعالى في ذكر ثمود (فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ) [الأعراف : ٧٨] ، أي في مدينتهم وهي حجر ثمود.
والتعريف هنا للعهد لأن المراد بالدار : يثرب ، والمعنى الذين هم أصحاب الدار. هذا توطئة لقوله : (يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ).
والتبوّؤ : اتخاذ المباءة وهي البقعة التي يبوء إليها صاحبها ، أي يرجع إليها بعد انتشاره في أعماله. وفي موقع قوله : (وَالْإِيمانَ) غموض إذ لا يصح أن يكون مفعولا لفعل تبوّءوا ، فتأوله المفسرون على وجهين : أحدهما أن يجعل الكلام استعارة مكنية بتشبيه الإيمان بالمنزل وجعل إثبات التّبوّؤ تخييلا فيكون فعل تبوءوا مستعملا في حقيقته ومجازه.
وجمهور المفسرين جعلوا المعطوف عاملا مقدرا يدلّ عليه الكلام ، تقديره : وأخلصوا الإيمان على نحو قول الراجز الذي لا يعرف :