أحدا تأديبا له فوجب إمساك غيرهم من التحزب لهم بعدهم فإنه وإن ساغ ذلك لآحادهم لتكافئ درجاتهم أو تقاربها. والظنّ بهم زوال الحزازات من قلوبهم بانقضاء تلك الحوادث ، لا يسوغ ذلك للأذناب من بعدهم الذين ليسوا منهم في عير ولا نفير ، وإنما هي مسحة من حمية الجاهلية نخرت عضد الأمة المحمدية.
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (١١))
أعقب ذكر ما حلّ ببني النضير وما اتصل به من بيان أسبابه ، ثم بيان مصارف فيئهم وفيء ما يفتح من القرى بعد ذلك ، بذكر أحوال المنافقين مع بني النضير وتغريرهم بالوعود الكاذبة ليعلم المسلمون أن النفاق سجية في أولئك لا يتخلون عنه ولو في جانب قوم هم الذين يودّون أن يظهروا على المسلمين.
والجملة استئناف ابتدائي والاستفهام مستعمل في التعجيب من حال المنافقين فبني على نفي العلم بحالهم كناية عن التحريض على إيقاع هذا العلم كأنه يقول : تأمّل الذين نافقوا في حال مقالتهم لإخوانهم ولا تترك النظر في ذلك فإنه حال عجيب ، وقد تقدم تفصيل معنى : (أَلَمْ تَرَ) إلى كذا عند قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ) في سورة البقرة [٢٤٣].
وجملة (يَقُولُونَ) في موضع المفعول الثاني. والتقدير : ألم ترهم قائلين. وجيء بالفعل المضارع لقصد تكرر ذلك منهم ، أي يقولون ذلك مؤكّدينه ومكرّرينه لا على سبيل البداء أو الخاطر المعدول عنه.
و (الَّذِينَ نافَقُوا) المخبر عنهم هنا هم فريق من بني عوف من الخزرج من المنافقين سمي منهم عبد الله بن أبيّ ابن سلول ، وعبد الله بن نبتل ، ورفاعة بن زيد ، ورافعة بن تابوت ، وأوس بن قيظي ، ووديعة بن أبي قوتل ، أو ابن قوقل ، وسويد (لم ينسب) وداعس (لم ينسب) ، بعثوا إلى بني النضير حين حاصر جيش المسلمين بني النضير يقولون لهم : اثبتوا في معاقلكم فإنّا معكم.
والمراد بإخوانهم بنو النضير وإنما وصفهم بالإخوة لهم لأنهم كانوا متّحدين في الكفر برسالة محمد صلىاللهعليهوسلم ، وليست هذه أخوة النسب فإن بني النضير من اليهود ، والمنافقين