إلخ. وهو على الوجه الثاني في (جَمِيعاً) استثناء منقطع لأن القتال في القرى ووراء الجدر ليس من أحوال قتال الجيوش المتساندين.
وعلى كلا الاحتمالين فالكلام يفيد أنهم لا يقاتلون إلا متفرقين كل فريق في قريتهم ، وإلا خائفين متترّسين.
والمعنى : لا يهاجمونكم ، وإن هاجمتموهم لا يبرزون إليكم ولكنهم يدافعونكم في قرى محصنة أو يقاتلونكم من وراء جدر ، أي في الحصون والمعاقل ومن وراء الأسوار ، وهذا كناية عن مصيرهم إلى الهزيمة إذ ما حورب قوم في عقر دارهم إلا ذلّوا كما قال عليّ رضياللهعنه : وهذا اطلاع لهم على تطمين للرسول صلىاللهعليهوسلم والمؤمنين ودخائل الأعداء.
و «الجدر» بضمتين في قراءة الجمهور جمع جدار. وقرأه ابن كثير وأبو عمرو جدار على الإفراد ، والمراد الجنس تساوي الجمع.
و (مُحَصَّنَةٍ) ممنوعة ممن يريد أخذها بأسوار أو خنادق.
و (قُرىً) بالقصر جمع قرية ، ووزنه وقصره على غير قياس لأن ما كان على زنة فعلة معتل اللام مثل قرية يجمع على فعال بكسر الفاء ممدودا مثل : ركوة وركاء ، وشكوة وشكاء. ولم يسمع القصر إلا في كوة بفتح الكاف لغة وكوى ، وقرية وقرى ولذلك قال الفراء: قرى شاذ ، يريد خارج عن القياس.
(بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ)
استئناف بياني لأن الإخبار عن أهل الكتاب وأنصارهم بأنهم لا يقاتلون المسلمين إلا في قرى محصنة المفيد أنهم لا يتفقون على جيش واحد متساندين فيه مما يثير في نفس السامع أن يسأل عن موجب ذلك مع أنهم متفقون على عداوة المسلمين. فيجاب بأن بينهم بأسا شديدا وتدابرا ، فهم لا يتفقون.
وافتتحت الجملة ب (بَأْسُهُمْ) للاهتمام بالإخبار عنه بأنه (بَيْنَهُمْ) ، أي متسلط من بعضهم على بعض وليس بأسهم على المسلمين ، وفي تهكم.
ومعنى (بَيْنَهُمْ) أن مجال البأس في محيطهم فما في بأسهم من إضرار فهو منعكس إليهم ، وهذا التركيب نظير قوله تعالى : (رُحَماءُ بَيْنَهُمْ) [الفتح : ٢٩].
وجملة (تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً) إلى آخرها استئناف عن جملة (بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ).