المقومة للقومية وقد ذكرته آنفا.
(كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيباً ذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (١٥))
خبر مبتدأ محذوف دلّ عليه هذا الخبر ، فالتقدير : مثلهم كمثل الذين من قبلهم قريبا ، أي حال أهل الكتاب الموعود بنصر المنافقين كحال الذين من قبلهم قريبا.
والمراد : أن حالهم المركبة من التظاهر بالبأس مع إضمار الخوف من المسلمين ، ومن التفرق بينهم وبين إخوانهم من أهل الكتاب ، ومن خذلان المنافقين إياهم عند الحاجة ، ومن أنهم لا يقاتلون المسلمين إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر ، كحال الذين كانوا من قبلهم في زمن قريب وهم بنو النضير فإنهم أظهروا الاستعداد للحرب وأبوا الجلاء ، فلم يحاربوا إلا في قريتهم إذ حصنوها وقبعوا فيها حتى أعياهم الحصار فاضطرّوا إلى الجلاء ولم ينفعهم المنافقون ولا إخوانهم من أهل الكتاب.
وعن مجاهد أن (الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) المشركون يوم بدر.
و (مِنْ) زائدة لتأكيد ارتباط الظرف بعامله.
وانتصب (قَرِيباً) على الظرفية متعلقا بالكون المضمر في قوله : (كَمَثَلِ) ، أي كحال كائن قريب ، أو انتصب على الحال من (الَّذِينَ) أي القوم القريب منهم ، كقوله: (وَما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ) [هود : ٨٩].
والوبال أصله : وخامة المرعى المستلذ به للماشية يقال : كلأ وبيل ، إذا كان مرعى خضرا «حلوا» تهشّ إليه الإبل فيحبطها ويمرضها أو يقتلها ، فشبهوا في إقدامهم على حرب المسلمين مع الجهل بعاقبة تلك الحرب بإبل ترامت على مرعى وبيل فهلكت وأثبت الذوق على طريقة المكنية وتخييلها ، فكان ذكر (ذاقُوا) مع (وَبالَ) إشارة إلى هذه الاستعارة.
و (أَمْرِهِمْ) شأنهم وما دبّروه وحسبوا له حسابه وذلك أنهم أوقعوا أنفسهم في الجلاء وترك الديار وما فيها ، أي ذاقوا سوء أعمالهم في الدنيا.
وضمير (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) عائد إلى (الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) أي زيادة على ما ذاقوه من عذاب الدنيا بالجلاء وما فيه من مشقة على الأنفس والأجساد لهم عذاب أليم في الآخرة على الكفر.