تعالى : (وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ ، وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ) [العنكبوت ٢٩ / ٤٣] ، والعالمون : هم المؤمنون المهتدون بهدي الحق.
ثم أردف تعالى ذلك ببيان أوصاف هؤلاء الفاسقين ، فهم ينقضون الميثاق ، فلا يستعملون مواهبهم من عقل ومشاعر وحواس لإرشادهم إلى المقصود ، وينقضون ما عاهدوا الله عليه عهدا فطريا (١) من الإيمان بمحمد والتصديق به وبجميع الرسل الكرام ، والعمل بشرائع الله ، قال تعالى : (لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها ، وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها ، وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها ، أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ ، بَلْ هُمْ أَضَلُّ ، أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ) [الأعراف ٧ / ١٧٩].
وهم يقطعون ما أمر الله به أن يوصل من الإيمان بالله بعد قيام الأدلة الكونية على وجوده ، فقطعوا الصلة بين الدليل والمدلول ، والإيمان بجميع الأنبياء ، ففرقوا بين نبي ونبي ، وقد أمر الله بوصل الإيمان بجميع الأنبياء ، وهم لا يصلون الرحم والقرابات المادية بين الأقارب ، والمعنوية بين الرسل وموالاة المؤمنين. ومشركو العرب بتكذيبهم النّبيصلىاللهعليهوآلهوسلم نقضوا عهد الفطرة ، وأهل الكتاب نقضوا العهدين : عهد الفطرة والعهد الديني الذي أخذه الله عليهم في كتبهم من الإيمان بالنّبي محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، كما قال تعالى : (وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ ، وَهُمْ يَعْلَمُونَ) [البقرة ٢ / ١٤٦] ، فمن أنكر بعثة الرسل ولم يهتد بهديهم ، فهو ناقض لعهد الله تعالى.
وهم يفسدون في الأرض بالمعاصي ، والفتن بين الناس ، والصدّ عن الإيمان ،
__________________
(١) العهد الفطري أو عهد الله : هو ما ركز في قلوب ومشاعر وعقول الناس قاطبة من ظهور الحجة على توحيد الإله ، وهو بمثابة أمر وصاهم الله به ووثقه عليهم ، وهو معنى قوله تعالى : (وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ ، أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ؟ قالُوا : بَلى شَهِدْنا)[الأعراف ٧ / ١٧٢]. والعهد الديني : هو أخذ الميثاق على أهل الكتاب بأنهم إذا بعث إليهم رسول يصدقه الله بمعجزاته. صدقوه واتبعوه.