بالتغيير والتبديل ، وقد وقع النوعان من أحبار اليهود ، وقد نعتهم الله تعالى بأنهم يبدلون ويحرفون ، فقال : (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ) [البقرة ٢ / ٧٩] وكان للتحريف مظاهر متعددة ، ففي عهد موسى عليهالسلام : روي أن قوما من السبعين المختارين ، سمعوا كلام الله حين كلم موسى بالطور ، وما أمر به موسى وما نهي عنه ، ثم قالوا : سمعنا الله يقول في آخره : إن استطعتم أن تفعلوا هذه الأشياء فافعلوا ، وإن شئتم ألا تفعلوا فلا بأس.
وفي قوله تعالى : (ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ) قال مجاهد والسدي : هم علماء اليهود الذين يحرفون التوراة ، فيجعلون الحرام حلالا والحلال حراما ، اتّباعا لأهوائهم.
وفي عهد محمد صلىاللهعليهوسلم حرفوا نعت الرسول وصفته ، وحرفوا آية الرجم ، وقالوا : (لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ) [آل عمران ٣ / ٧٥] وهم العرب ، أي ما أخذنا من أموالهم فهو حل لنا ، وقالوا أيضا : لا يضرنا ذنب فنحن أحباء الله وأبناؤه ، تعالى الله عن ذلك (١).
ووقع التحريف بنوعيه أيضا في الإنجيل ، كما وقع في التوراة ، والدليل واضح وهو ضياع أصل كلا هذين الكتابين ، وكتابتهما بأيدي العلماء بعد عشرات السنين ، كما قال تعالى : (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ) [النساء ٤ / ٤٦].
وحدث التحريف في القرآن بمعنى التأويل الباطل ، من الجهلة أو الملاحدة ، أما التحريف بإسقاط آية من القرآن ، فلم يقع ، لتعهد الله حفظ كتابه المبين في قوله سبحانه : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ ، وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) [الحجر ١٥ / ٩].
وأرشدت الآية (٧٨) من سورة البقرة إلى بطلان التقليد في العقائد وأصول الأحكام ، وعدم الاعتداد بإيمان صاحبه ، لأن معنى قوله تعالى : (وَإِنْ هُمْ إِلَّا
__________________
(١) تفسير الرازي : ٣ / ١٣٥ ، تفسير القرطبي : ٢ / ٦ وما بعدها.