وعلى أي وجه أو حال : لن يتمنى الموت أحد منهم أبدا ، بسبب ما اقترفوا من الكفر والفسوق والعصيان ، كتحريف التوراة ، وقتل الأنبياء والأبرياء ، والكفر بالنبيصلىاللهعليهوسلم ، مع البشارة به في كتابهم. والله يعلم أنهم ظالمون في حكمهم بأن الدار الآخرة خالصة لهم ، وأن غيرهم من الشعوب محروم منها ، وسيجازيهم على أعمالهم.
ثم يقسم الله تعالى بذاته العلية «وتا لله» لتجدن اليهود أحرص الناس على حياة طويلة ، بل وأحرص من جميع الناس حتى الذين أشركوا بالله ، ولم يؤمنوا بالبعث ، فهؤلاء المشركون يفترض أن يكونوا أحرص الناس على الحياة ، إذ هي الأولى والأخيرة عندهم ، فمشركو العرب لا يعرفون إلا هذه الحياة ، ولا علم لهم من الآخرة.
ولكن اليهود الحريصين على الدنيا والمادة يتمنى أحدهم أن يعيش ألف سنة أو أكثر ـ والعرب تضرب الألف مثلا للمبالغة في الكثرة ـ لأنه يتوقع عقاب الله في الآخرة ، فيرى أن الدنيا خير من الآخرة. وما بقاؤه في الدنيا ـ وإن طال ـ بمبعده عن أمر الله وتعذيبه بالعذاب الأليم ، والله عليم بخفيات أعمالهم وبما يصدر منهم ، وهو مجازيهم به ويعاقبهم عليه.
فقه الحياة أو الأحكام :
هذه الآيات امتحان لمعرفة صدق إيمان اليهود ، ودحض دعاويهم الباطلة التي حكاها الله عزوجل في كتابه ، كقوله تعالى : (لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً) [البقرة ٢ / ٨٠] وقوله : (وَقالُوا : لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى) [البقرة ٢ / ١١١] وقالوا : (نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ) [المائدة ٥ / ١٠١] وموضوع الامتحان تمني الموت ليحظوا بالسعادة الأبدية ، وبذل أرواحهم في سبيل الله ، والذود عن الدين وحرماته. ونتيجة الامتحان الإخفاق المحتم ، لأن اليهود