أمرا اعتقاديا له صلة بالإيمان الذي يعمر به قلب المؤمن ، فأينما كان المؤمنون من شرق وغرب ، فثمّ وجه الله الذي أمرنا باستقباله ، وهو الكعبة.
والحكمة من الاتجاه إلى القبلة ، بالرغم من أن القصد هو الله الذي لا يحده مكان ، هو توحيد وجهة العابدين ، وتجميع مشاعرهم وعواطفهم في إطار هدف واحد ، ولأنه لما كان من شأن العابد أن يستقبل وجه المعبود ، وهو بهذه الطريقة محال على الله ، لأن ذاته تعالى ليست محصورة في شيء من خلقه ، شرع للناس مكانا مخصوصا يستقبلونه في عبادتهم إياه ، وجعل استقباله كاستقبال وجه الله تعالى.
قال ابن العربي : إن الله تعالى أمر بالصلاة عبادة ، وفرض فيها الخشوع استكمالا للعبادة ، وألزم الجوارح السكون ، واللسان الصمت إلا عن ذكر الله تعالى ، ونصب البدن إلى جهة واحدة ، ليكون ذلك أنفى للحركات ، وأبعد للخواطر ، وعينت له جهة الكعبة تشريفا له (١).
والخلاصة : هل الآية (١١٥) منسوخة؟ للعلماء رأيان (٢) :
رأي يقول : إن هذه الآية نزلت على رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذنا من الله أن يصلي المتطوع حيث توجه من شرق أو غرب ، في مسيره في سفره ، وفي حال المسايفة وشدة الخوف.
ورأي الجمهور : أنها منسوخة ، وفيها تسلية للرسول صلىاللهعليهوسلم وأصحابه الذين أخرجوا من مكة ، وفارقوا مسجدهم ومصلاهم ، وقد كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يصلي بمكة إلى بيت المقدس ، والكعبة بين يديه. فلما قدم المدينة ، وجه إلى بيت المقدس ستة عشر شهرا ، أو سبعة عشر شهرا ، ثم صرفه الله إلى الكعبة بعد ، ولهذا
__________________
(١) أحكام القرآن لابن العربي : ١ / ٣٥
(٢) تفسير ابن كثير : ١ / ١٥٧ وما بعدها.