والقارعة : اسم فاعل من قرعه ، إذا ضربه ضربا قويا ، يقال : قرع البعير. وقالوا : العبد يقرع بالعصا ، وسميت المواعظ التي تنكسر لها النفس قوارع لما فيها من زجر الناس عن أعمال. وفي المقامة الأولى «ويقرع الأسماع بزواجر وعظه» ، ويقال للتوبيخ تقريع ، وفي المثل «لا تقرع له العصا ولا يقلقل له الحصاء» ، ومورده في عامر بن الظرب العدواني في قصة أشار إليها المتلمس في بيت.
ف (القارعة) هنا صفة لموصوف محذوف يقدر لفظه مؤنثا ليوافق وصفه المذكور نحو الساعة أو القيامة. القارعة : أي التي تصيب الناس بالأهوال والأفزاع ، أو التي تصيب الموجودات بالقرع مثل دك الجبال ، وخسف الأرض ، وطمس النجوم ، وكسوف الشمس كسوفا لا انجلاء له ، فشبه ذلك بالقرع.
ووصف (السَّاعَةِ) [الأعراف : ١٨٧] أو (الْقِيامَةِ) [البقرة : ٨٥] بذلك مجاز عقلي من إسناد الوصف إلى غير ما هو له بتأوّل لملابسته ما هو له إذ هي زمان القرع قال تعالى : (الْقارِعَةُ مَا الْقارِعَةُ وَما أَدْراكَ مَا الْقارِعَةُ يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ) الآية [القارعة : ١ ـ ٤]. وهي ما سيأتي بيانها في قوله : (فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ) الآيات [الحاقة : ١٣].
وجيء في الخبر عن هاتين الأمتين بطريقة اللف والنشر لأنهما اجتمعتا في موجب العقوبة ثم فصل ذكر عذابهما.
(فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ (٥))
ابتدئ بذكر ثمود لأن العذاب الذي أصابهم من قبيل القرع إذ أصابتهم الصواعق المسماة في بعض الآيات بالصيحة. والطاغية : الصاعقة في قول ابن عباس وقتادة : نزلت عليهم صاعقة أو صواعق فأهلكتهم ، لأن منازل ثمود كانت في طريق أهل مكة إلى الشام في رحلتهم فهم يرونها ، قال تعالى : (فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا) [النمل : ٥٢] ، ولأن الكلام على مهلك عاد أنسب فأخر لذلك أيضا.
وإنما سميت الصاعقة أو الصيحة (بِالطَّاغِيَةِ) لأنها كانت متجاوزة الحال المتعارف في الشدة فشبه فعلها بفعل الطاغي المتجاوز الحد في العدوان والبطش.
والباء في قول (بِالطَّاغِيَةِ) للاستعانة.