تناسلوا من الفئة الذين نجاهم الله من الغرق ليتخلص من كونه عظة وعبرة إلى التذكير بأنه نعمة ، وهذا من قبيل الإدماج.
وقد بني على شهرة مهلك قوم نوح اعتباره كالمذكور في الكلام فجعل شرطا ل (لَمَّا) في قوله : (إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ) ، أي في ذلك الوقت المعروف بطغيان الطوفان.
والطغيان : مستعار لشدته الخارقة للعادة تشبيها لها بطغيان الطاغي على الناس تشبيه تقريب فإن الطوفان أقوى شدة من طغيان الطاغي.
و (الْجارِيَةِ) : صفة لمحذوف وهو السفينة وقد شاع هذا الوصف حتى صار بمنزلة الاسم قال تعالى : (وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ) [الرحمن : ٢٤].
وأصل الحمل وضع جسم فوق جسم لنقله ، وأطلق هنا على الوضع في ظرف متنقل على وجه الاستعارة.
وإسناد الحمل إلى اسم الجلالة مجاز عقلي بناء على أنه أوحى إلى نوح بصنع الحاملة ووضع المحمول قال تعالى : (فَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا فَإِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) الآية [المؤمنون : ٢٧].
وذكر إحدى الحكم والعلل لهذا الحمل وهي حكمة تذكير البشر به على تعاقب الأعصار ليكون لهم باعثا على الشكر ، وعظة لهم من أسواء الكفر ، وليخبر بها من علمها قوما لم يعلموها فتعيها أسماعهم.
والمراد ب (أُذُنٌ) : آذان واعية. وعموم النكرة في سياق الإثبات لا يستفاد إلا بقرينة التعميم كقوله تعالى : (وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ) [الحشر : ١٨].
والوعي : العلم بالمسموعات ، أي ولتعلم خبرها أذن موصوفة بالوعي ، أي من شأنها أن تعي.
وهذا تعريض بالمشركين إذ لم يتعظوا بخبر الطوفان والسفينة التي نجا بها المؤمنون فتلقوه كما يتلقون القصص الفكاهية.
[١٣ ـ ١٨] (فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ (١٣) وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً (١٤) فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْواقِعَةُ (١٥) وَانْشَقَّتِ السَّماءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ واهِيَةٌ (١٦) وَالْمَلَكُ عَلى أَرْجائِها وَيَحْمِلُ