[١٩ ـ ٢٤] (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ (١٩) إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ (٢٠) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ (٢١) فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ (٢٢) قُطُوفُها دانِيَةٌ (٢٣) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ (٢٤))
الفاء تفصيل لما يتضمنه (تُعْرَضُونَ) [الحاقة : ١٨] إذ العرض عرض للحساب والجزاء فإيتاء الكتاب هو إيقاف كل واحد على صحيفة أعمال. و (أمّا) حرف تفصيل وشرط وهو يفيد مفاد (مهما يكن من شيء) ، والمعنى : مهما يكن عرض (مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ) ، وشأن الفاء الرّابطة لجوابها أن يفصل بينها وبين (أما) بجزء من جملة الجواب أو بشيء من متعلقات الجواب مهتم به لأنهم لما التزموا حذف فعل الشرط لاندماجه في مدلول (أما) كرهوا اتصال فاء الجواب بأداة الشرط ففصلوا بينهما بفاصل تحسينا لصورة الكلام ، فقوله : (مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ) أصله صدر جملة الجواب ، وهو مبتدأ خبره (فَيَقُولُ هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ) كما سيأتي.
ودل قوله : (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ) على كلام محذوف للإيجاز تقديره فيؤتى كلّ أحد كتاب أعماله ، فأما من أوتي كتابه إلخ على طريقة قوله تعالى : (أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ) [الشعراء : ٦٣].
والباء في قوله : (بِيَمِينِهِ) للمصاحبة أو بمعنى (في).
وإيتاء الكتاب باليمين علامة على أنه إيتاء كرامة وتبشير ، والعرب يذكرون التناول باليمين كناية عن الاهتمام بالمأخوذ والاعتزاز به ، قال الشمّاخ :
إذا ما راية رفعت لمجد |
|
تلقّاها عرابة باليمين |
وقال تعالى : (وَأَصْحابُ الْيَمِينِ ما أَصْحابُ الْيَمِينِ فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ) الآية [الواقعة: ٢٧ ـ ٢٨] ثم قال : (وَأَصْحابُ الشِّمالِ ما أَصْحابُ الشِّمالِ فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ) الآية [الواقعة : ٤١ ـ ٤٢].
وجملة (فَيَقُولُ هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ) جواب شرط (أمّا) وهو مغن عن خبر المبتدأ ، وهذا القول قول ذي بهجة وحبور يبعثان على اطلاع الناس على ما في كتاب أعماله من جزاء في مقام الاغتباط والفخار ، ففيه كناية عن كونه من حبور ونعيم فإن المعنى الكنائي هو الغرض الأهم من ذكر العرض.