والمعنى : أنه خلق الموت والحياة ليكون منكم أحياء يعلمون الصالحات والسيئات ، ثم أمواتا يخلصون إلى يوم الجزاء فيجزون على أعمالهم بما يناسبها.
فالتعريف في (الْمَوْتَ) و (وَالْحَياةَ) تعريف الجنس. وفي الكلام تقدير : هو الذي خلق الموت والحياة لتحيوا فيبلوكم أيكم أحسن عملا ، وتموتوا فتجزوا على حسب تلك البلوى ، ولكون هذا هو المقصود الأهم من هذا الكلام قدم الموت على الحياة.
وجملة (لِيَبْلُوَكُمْ) إلى آخرها معترضة بين الموصولين.
واللام في (لِيَبْلُوَكُمْ) لام التعليل ، أي في خلق الموت والحياة حكمة أن يبلوكم. إلخ.
وتعليل فعل بعلة لا يقتضي انحصار علله في العلة المذكورة فإن الفعل الواحد تكون له علل متعددة فيذكر منها ما يستدعيه المقام ، فقوله تعالى : (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) تعليل لفعل (خَلَقَ) باعتبار المعطوف على مفعوله ، وهو (وَالْحَياةَ) لأن حياة الإنسان حياة خاصة تصحح للموصوف بمن قامت به الإدراك الخاص الذي يندفع به إلى العمل باختياره ، وذلك العمل هو الذي يوصف بالحسن والقبح ، وهو ما دل عليه بالمنطوق والمفهوم قوله تعالى : (أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) أي وأيكم أقبح عملا.
ولذلك فذكر خلق الموت إتمام للاستدلال على دقيق الصنع الإلهي وهو المسوق له الكلام ، وذكر خلق الحياة إدماج للتذكير ، وهو من أغراض السورة.
ولا أشك في أن بناء هذا العالم على ناموس الموت والحياة له حكمة عظيمة يعسر على الأفهام الاطلاع عليها.
والبلوى : الاختبار وهي هنا مستعارة للعلم ، أي ليعلم علم ظهور أو مستعارة لإظهار الأمر الخفي ، فجعل إظهار الشيء الخفي شبيها بالاختبار.
وجملة (أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) مرتبطة ب (لِيَبْلُوَكُمْ).
و (أيّ) اسم استفهام ورفعه يعيّن أنه مبتدأ وأنه غير معمول للفظ قبله فوجب بيان موقع هذه الجملة ، وفيه وجهان :
أحدهما قول الفراء والزجاج والزمخشري في تفسير أول سورة هود أن جملة الاستفهام سادة مسدّ المفعول الثاني ، وأن فعل يبلوكم المضمن معنى (يعلمكم) معلق