ولم يذكر الأبوان لدخولهما في الفصيلة قصدا للإيجاز.
والإيواء : الضم والانحياز. قال تعالى : (آوى إِلَيْهِ أَخاهُ) [يوسف : ٦٩] وقال: (سَآوِي إِلى جَبَلٍ) [هود : ٤٣].
و (الَّتِي تُؤْوِيهِ) : إن كانت القبيلة ، فالإيواء مجاز في الحماية والنصر ، أي ومع ذلك يفتدي بها لعلمه بأنها لا تغني عنه شيئا يومئذ.
وإن كانت الأمّ فالإيواء على حقيقته باعتبار الماضي ، وصيغة المضارع لاستحضار الحالة كقوله : (اللهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً) [الروم : ٤٨] أي يودّ لو يفتدي بأمه ، مع شدة تعلق نفسه بها إذ كانت تؤويه ، فإيثار لفظ فصيلته وفعل تؤويه هنا من إيجاز القرآن وإعجازه ليشمل هذه المعاني.
(وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) عطف على (بِبَنِيهِ) ، أي ويفتدي بمن في الأرض ، أي ومن له في الأرض مما يعزّ عليه من أخلاء وقرابة ونفائس الأموال مما شأن الناس الشح ببذله والرغبة في استبقائه على نحو قوله تعالى : (فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدى بِهِ) [آل عمران : ٩١].
و (مَنْ) الموصولة لتغليب العاقل على غيره لأن منهم الأخلاء.
و (ثُمَ) في قوله : (ثُمَّ يُنْجِيهِ) للتراخي الرتبي ، أي يودّ بذل ذلك وأن ينجيه الفداء من العذاب ، فالإنجاء من العذاب هو الأهم عند المجرم في ودادته والضمير البارز في قوله : (يُنْجِيهِ) عائد إلى الافتداء المفهوم من (يَفْتَدِي) على نحو قوله تعالى : (اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى) [المائدة : ٨].
والمعطوف ب (ثُمَ) هو المسبب عن الودادة فلذلك كان الظاهر أن يعطف بالفاء وهو الأكثر في مثله كقوله تعالى : (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَواءً) [النساء : ٨٩] وقوله : (وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ) [القلم : ٩] ، فعدل عن عطفه بالفاء هنا إلى عطفه ب (ثُمَ) للدلالة على شدة اهتمام المجرم بالنجاة بأية وسيلة.
ومتعلق (يُنْجِيهِ) محذوف يدل عليه قوله : (مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ).
و (كَلَّا) حرف ردع وإبطال لكلام سابق ، ولا يخلو من أن يذكر بعده كلام ، وهو هنا لإبطال ما يخامر نفوس المجرم من الودادة ، نزل منزلة الكلام لأن الله مطلع عليه أو