الرسول بعد سماع دعوته. وعن قتادة عكسه : أدبر عن طاعة الله وتولى عن كتاب الله وتبعه الفخر والنيسابوري.
والجمع والإيعاء في قوله : (وَجَمَعَ فَأَوْعى) مرتب ثانيهما على أولهما ، فيدل ترتب الثاني على الأول أن مفعول (جَمَعَ) المحذوف هو شيء مما يوعى ، أي يجعل في وعاء.
والوعاء : الظرف ، أي جمع المال فكنزه ولم ينفع به المحاويج ، ومنه جاء فعل (فَأَوْعى) إذا شحّ. وفي الحديث : «ولا توعي فيوعى عليك».
وفي قوله : (جَمَعَ) إشارة إلى الحرص ، وفي قوله : (فَأَوْعى) إشارة إلى طول الأمل. وعن قتادة (جَمَعَ فَأَوْعى) كان جموعا للخبيث ، وهذا تفسير حسن ، أي بأن يقدّر ل (جَمَعَ) مفعول يدل عليه السياق ، أي وزاد على إدباره وتوليه أنه جمع الخبائث. وعليه يكون (فَأَوْعى) مستعارا لملازمته ما فيه من خصال الخبائث واستمراره عليها فكأنها مختزنة لا يفرط فيها.
[١٩ ـ ٢١] (إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً (١٩) إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (٢٠) وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (٢١)).
معترضة بين (مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى وَجَمَعَ فَأَوْعى) [المعارج : ١٧ ـ ١٨] وبين الاستثناء (إِلَّا الْمُصَلِّينَ) [المعارج : ٢٢] إلخ.
وهي تذييل لجملة (وَجَمَعَ فَأَوْعى) تنبيها على خصلة تخامر نفوس البشر فتحملهم على الحرص لنيل النافع وعلى الاحتفاظ به خشية نفاده لما فيهم من خلق الهلع. وهذا تذييل لوم وليس في مساقه عذر لمن جمع فأوعى ، ولا هو تعليل لفعله.
وموقع حرف التوكيد ما تتضمنه الجملة من التعجيب من هذه الخصلة البشرية ، فالتأكيد لمجرد الاهتمام بالخبر ولفت الأنظار إليه والتعريض بالحذر منه.
والمقصود من التذييل هو قوله : (وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً) وأما قوله : (إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً) فتمهيد وتتميم لحالتيه.
فالمراد بالإنسان : جنس الإنسان لا فرد معيّن كقوله تعالى : (إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى) [العلق : ٦ ـ ٧] وقوله : (خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ) [الأنبياء : ٣٧] ، ونظائر ذلك كثيرة في القرآن.