تكذيبهم واستهزائهم.
وجملة (أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ) بدل اشتمال عن جملة (فَما لِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ) الآية ، لأنّ التفافهم حول النبي صلىاللهعليهوسلم شأنه أن يكون لطلب الهدى والنجاة فشبه حالهم بحال طالبي النجاة والهدى فأورد استفهام عليه.
وحكى المفسرون أن المشركين قالوا مستهزءين : نحن ندخل الجنة قبل المسلمين ، فجاز أن يكون الاستفهام إنكارا لتظاهرهم بالطمع في الجنة بحمل استهزائهم على خلاف مرادهم على طريقة الأسلوب الحكيم ، أو بالتعبير بفعل (يَطْمَعُ) عن التظاهر بالطمع كما في قوله تعالى : (يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِما فِي قُلُوبِهِمْ) [التوبة : ٦٤] أي يتظاهرون بأنهم يحذرون.
وأسند الطمع إلى (كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ) دون أن يقال : أيطمعون أن يدخلوا الجنة ، تصويرا لحالهم بأنها حال جماعة يريد كل واحد منهم أن يدخل الجنة لتساويهم ، يرون أنفسهم سواء في ذلك ، ففي قوله : (كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ) تقوية التهكم بهم.
ثم بني على التهكم ما يبطل ما فرض لحالهم بما بني عليه التمثيل التهكمي بكلمة الردع وهي (كَلَّا) أي لا يكون ذلك. وذلك انتقال من المجاز إلى الحقيقة ومن التهكم بهم إلى توبيخهم دفعا لتوهم من يتوهم أن الكلام السابق لم يكن تهكما.
وهنا تمّ الكلام على إثبات الجزاء.
(إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ إِنَّا لَقادِرُونَ (٤٠) عَلى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (٤١)).
كلام مستأنف استئنافا ابتدائيا للانتقال من إثبات الجزاء إلى الاحتجاج على إمكان البعث إبطالا لشبهتهم الباعثة على إنكاره ، وهو الإنكار الذي ذكر إجمالا بقوله المتقدم آنفا (إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً وَنَراهُ قَرِيباً) [المعارج : ٦ ، ٧] فاحتج عليهم بالنشأة الأولى ، كما قال تعالى : (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولى فَلَوْ لا تَذَكَّرُونَ) [الواقعة : ٦٢] فالخبر بقوله : (إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ) مستعمل في لازم معناه وهو إثبات إعادة خلقهم بعد فنائهم.
فهذا من تمام الخطاب الموجه إلى النبي صلىاللهعليهوسلم. والمقصود منه أن يبلغ إلى أسماع المشركين كما تقدم آنفا.