يتوصلوا به إلى معرفة عظمة الله وتوقع عقابه لأن الدلالة على ذلك قائمة بأنفسهم وهل التصرف فيهم بالعقاب والإثابة إلّا دون التصرف فيهم بالكون والفساد.
والأطوار : جمع طور بفتح فسكون ، والطور : التارة ، وهي المرة من الأفعال أو من الزمان ، فأريد من الأطوار هنا ما يحصل في المرات والأزمان من أحوال مختلفة ، لأنه لا يقصد من تعدد المرات والأزمان إلّا تعدد ما يحصل فيها ، فهو تعدد بالنوع لا بالتكرار كقول النابغة :
فإن أفاق لقد طالت عمايته |
|
والمرء يخلق طورا بعد أطوار |
وانتصب (أَطْواراً) على الحال من ضمير المخاطبين ، أي تطور خلقهم لأن (أَطْواراً) صار في تأويل أحوالا في أطوار.
[١٥ ـ ١٦] (أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللهُ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً (١٥) وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً (١٦))
إن كان هذا من حكاية كلام نوح عليهالسلام لقومه كما جرى عليه كلام المفسرين ، كان تخلصا من التوبيخ والتعريض إلى الاستدلال عليهم بآثار وجود الله ووحدانيته وقدرته ، مما في أنفسهم من الدلائل ، إلى ما في العالم منها ، لما علمت من إيذان قوله : (وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً) [نوح : ١٤] من تذكير بالنعمة وإقامة للحجة ، فتخلص منه لذكر حجة أخرى ، فكان قد نبههم على النظر في أنفسهم أولا لأنها أقرب ما يحسونه ويشعرون به ثم على النظر في العالم وما سوّي فيه من العجائب الشاهدة على الخالق العليم القدير.
وإن كان من خطاب الله تعالى للأمة وهو ما يسمح به سياق السورة من الاعتبار بأحوال الأمم الماضية المساوية لأحوال المشركين كان هذا الكلام اعتراضا للمناسبة.
والهمزة في (أَلَمْ تَرَوْا) للاستفهام التقريري مكنى به عن الإنكار عن عدم العلم بدلائل ما يرونه.
والرؤية بصرية. ويجوز أن تكون علمية أي ألم تعلموا فيدخل فيه المرئي من ذلك. وانتصب (كَيْفَ) على المفعول به ل (تَرَوْا) ، ف (كَيْفَ) هنا مجردة عن الاستفهام متمحضة للدلالة على الكيفية ، أي الحالة.
والمعنى : ألستم ترون هيئة وحالة خلق الله السماوات.