ووصفوا قصر غمدان بالإضاءة على الطريق ليلا.
ولم يخبر عن الشمس بالضياء كما في آية سورة يونس [٥] (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً) ، والمعنى واحد وهو الإضاءة ، فلعل إيثار السراج هنا لمقاربة تعبير نوح في لغته ، مع ما فيه من الرعاية على الفاصلة ، لأن الفواصل التي قبلها جاءت على حروف صحيحة ولو قيل : ضياء لصارت الفاصلة همزة والهمزة قريبة من حروف العلة فيثقل الوقف عليها.
وفي جعل القمر نورا إيماء إلى أن ضوء القمر ليس من ذاته فإن القمر مظلم وإنما يستضيء بانعكاس أشعة الشمس على ما يستقبلها من وجهه بحسب اختلاف ذلك الاستقبال من تبعّض وتمام هو أثر ظهوره هلالا ثم اتساع استنارته إلى أن يصير بدرا ، ثم ارتجاع ذلك ، وفي تلك الأحوال يضيء على الأرض إلى أن يكون المحاق. وبعكس ذلك جعلت الشمس سراجا لأنها ملتهبة وأنوارها ذاتية فيها صادرة عنها إلى الأرض وإلى القمر مثل أنوار السراج تملأ البيت وتلمع أواني الفضة ونحوها مما في البيت من الأشياء المقابلة.
وقد اجتمع في قوله : (وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً) استدلال وامتنان.
[١٧ ـ ١٨] (وَاللهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً (١٧) ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيها وَيُخْرِجُكُمْ إِخْراجاً (١٨))
أنشأ الاستدلال بخلق السماوات حضور الأرض في الخيال فأعقب نوح به دليله السابق ، استدلالا بأعجب ما يرونه من أحوال ما على الأرض وهو حال الموت والإقبار ، ومهّد لذلك ما يتقدمه من إنشاء الناس.
وأدمج في ذلك تعليمهم بأن الإنسان مخلوق من عناصر الأرض مثل النبات وإعلامهم بأن بعد الموت حياة أخرى.
وأطلق على معنى : أنشأكم ، فعل (أَنْبَتَكُمْ) للمشابهة بين إنشاء الإنسان وإنبات النبات من حيث إن كليهما تكوين كما قال تعالى : (وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً) [آل عمران : ٣٧] ، أي أنشأها وكما يقولون : زرعك الله للخير ، ويزيد وجه الشبه هنا قربا من حيث إن إنشاء الإنسان مركب من عناصر الأرض ، وقيل التقدير : أنبت أصلكم ، أي آدمعليهالسلام ، قال تعالى : (كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ) [آل عمران : ٥٩].