و (نَباتاً) : اسم من أنبت ، عومل معاملة المصدر فوقع مفعولا مطلقا ل (أَنْبَتَكُمْ) للتوكيد ، ولم يجر على قياس فعله فيقال : إنباتا ، لأن نباتا أخف فلما تسنى الإتيان به لأنه مستعمل فصيح لم يعدل عنه إلى الثقيل كمالا في الفصاحة ، بخلاف قوله بعده (إِخْراجاً) فإنه لم يعدل عنه إلى : خروجا ، لعدم ملاءمته لألفاظ الفواصل قبله المبنية على ألف مثل ألف التأسيس فكما تعدّ مخالفتها في القافية عيبا كذلك تعدّ المحافظة عليها في الأسجاع والفواصل كمالا.
وقد أدمج الإنذار بالبعث في خلال الاستدلال ، ولكونه أهم رتبة من الاستدلال عليهم بأصل الإنشاء عطفت الجملة ب (ثُمَ) الدالة على التراخي الرتبي في قوله : (ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيها وَيُخْرِجُكُمْ إِخْراجاً) لأن المقصود من الجملة هو فعل (يُخْرِجُكُمْ) ، وأما قوله: (ثُمَّ يُعِيدُكُمْ) فهو تمهيد له.
وأكد (يُخْرِجُكُمْ) بالمفعول المطلق لردّ إنكارهم البعث.
[١٩ ـ ٢٠] (وَاللهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِساطاً (١٩) لِتَسْلُكُوا مِنْها سُبُلاً فِجاجاً (٢٠))
هذا استدلال وامتنان ، ولذلك علق بفعل (جَعَلَ) مجرور بلام التعليل وهو (لَكُمُ) أي لأجلكم.
والبساط : ما يفرش للنوم عليه والجلوس من ثوب أو زربية فالإخبار عن الأرض ببساط تشبيه بليغ ، أي كالبساط ، ووجه الشبه تناسب سطح الأرض في تعادل أجزائه بحيث لا يوجع أرجل الماشين ولا يقضّ جنوب المضطجعين ، وليس المراد أن الله جعل حجم الأرض كالبساط لأن حجم الأرض كروي ، وقد نبه على ذلك بالعلة الباعثة في قوله : (لَكُمُ) ، والعلة الغائبة في قوله : (لِتَسْلُكُوا مِنْها سُبُلاً) وحصل من مجموع العلتين الإشارة إلى جميع النعم التي تحصل للناس من تسوية سطح الأرض مثل الحرث والزرع ، وإلى نعمة خاصة وهي السير في الأرض ، وخصت بالذكر لأنها أهم لاشتراك كل الناس في الاستفادة منها.
والسبل : جمع سبيل وهو الطريق ، أي لتتخذوا لأنفسكم سبلا من الأرض تهتدون بها في أسفاركم.
والفجاج : جمع فج ، والفج : الطريق الواسع ، وأكثر ما يطلق على الطريق بين جبلين لأنه يكون أوسع من الطريق المعتاد.