والضلال ، مستعار لعدم الاهتداء إلى طرائق المكر الذي خشي نوح غائلته في قوله : (وَمَكَرُوا مَكْراً كُبَّاراً) [نوح : ٢٢] ، أي حل بيننا وبين مكرهم ولا تزدهم إمهالا في طغيانهم علينا إلّا أن تضللهم عن وسائله ، فيكون الاستثناء من تأكيد الشيء بما يشبه ضده ، أو أراد إبهام طرق النفع عليهم حتى تنكسر شوكتهم وتلين شكيمتهم نظير قول موسىعليهالسلام (رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ) [يونس : ٨٨].
وليس المراد بالضلال الضلال عن طريق الحق والتوحيد لظهور أنه ينافي دعوة نوح قومه إلى الاستغفار والإيمان بالبعث فكيف يسأل الله أن يزيدهم منه.
ويجوز أن يكون الضلال أطلق على العذاب المسبب عن الضلال ، أي في عذاب يوم القيامة وهو عذاب الإهانة والآلام.
ويجوز أن تكون جملة معترضة وهي من كلام الله تعالى لنوح فتكون الواو اعتراضية ويقدر قول محذوف : وقلنا لا تزد الظالمين. والمعنى : ولا تزد في دعائهم فإن ذلك لا يزيدهم إلّا ضلالا ، فالزيادة منه تزيدهم كفرا وعنادا. وبهذا يبقى الضلال مستعملا في معناه المشهور في اصطلاح القرآن ، فصيغة النهي مستعملة في التأييس من نفع دعوته إياهم. وأعلم الله نوحا أنه مهلكهم بقوله : (أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً) الآية [نوح : ٢٥] وهذا في معنى قوله: (وَأُوحِيَ إِلى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ) [هود : ٣٦ ، ٣٧].
ألا ترى أن ختام كلتا الآيتين متحد المعنى من قوله هنا (أُغْرِقُوا) وقوله في الآية الأخرى (إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ).
(مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْصاراً (٢٥))
جملة معترضة بين مقالات نوح عليهالسلام وليست من حكاية قول نوح فهي إخبار من الله تعالى لرسوله محمد صلىاللهعليهوسلم بأنه قدر النصر لنوح والعقاب لمن عصوه من قومه قبل أن يسأله نوح استئصالهم فإغراق قوم نوح معلوم للنبي صلىاللهعليهوسلم وإنما قصد إعلامه بسببه.
والغرض من الاعتراض بها التعجيل بتسلية رسول الله صلىاللهعليهوسلم على ما يلاقيه من قومه مما يماثل ما لاقاه نوح من قومه على نحو قوله تعالى : (وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ