وخبر (إِنَّكَ) مجموع الشرط مع جوابه الواقع بعد (إنّ) لأنه إذا اجتمع مبتدأ وشرط رجح الشرط على المبتدأ فأعطي الشرط الجواب ولم يعط المبتدأ خبرا لدلالة جملة الشرط وجوابه عليه.
وعلم نوح أنهم لا يلدون إلّا فاجرا كفّارا بأن أولادهم ينشئون فيهم فيلقنونهم دينهم ويصدون نوحا عن أن يرشدهم فحصل له علم بهذه القضية بدليل التجربة.
والمعنى : ولا يلدوا إلّا من يصير فاجرا كفّارا عند بلوغه سن العقل.
والفاجر : المتصف بالفجور ، وهو العمل الشديد الفساد.
والكفّار : مبالغة في الموصوف بالكفر ، أي إلّا من يجمع بين سوء الفعل وسوء الاعتقاد ، قال تعالى : (أُولئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ) [عبس : ٤٢].
وفي كلام نوح دلالة على أن المصلحين يهتمون بإصلاح جيلهم الحاضر ولا يهملون تأسيس أسس إصلاح الأجيال الآتية إذ الأجيال كلها سواء في نظرهم الإصلاحي. وقد انتزع عمر بن الخطاب من قوله تعالى : (وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ) [الحشر : ١٠] دليلا على إبقاء أرض سواد العراق غير مقسومة بين الجيش الذي فتح العراق وجعلها خراجا لأهلها قصدا لدوام الرزق منها لمن سيجيء من المسلمين.
(رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلاَّ تَباراً (٢٨))
جعل الدعاء لنفسه ووالديه خاتمة مناجاته فابتدأ بنفسه ثم بأقرب الناس به وهما والده ، ثم عمّم أهله وذويه المؤمنين فدخل أولاده وبنوهم والمؤمنات من أزواجهم وعبر عنهم بمن دخل بيته كناية عن سكناهم معه ، فالمراد بقوله : (دَخَلَ بَيْتِيَ) دخول مخصوص وهو الدخول المتكرر الملازم. ومنه سميت بطانة المرء دخيلته ودخلته ، ثم عمم المؤمنين والمؤمنات ، ثم عاد بالدعاء على الكفرة بأن يحرمهم الله النجاح وهو على حد قوله المتقدم (وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلالاً) [نوح : ٢٤].
والتبار : الهلاك والخسار ، فهو تخصيص للظالمين من قومه بسؤال استئصالهم بعد أن شملهم وغيرهم بعموم قوله : (لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً) [نوح : ٢٦] حرصا على سلامة المجتمع الإنساني من شوائب المفاسد وتطهيره من العناصر الخبيثة.