وصدق القرآن وما احتوى عليه ما سمعوه منه فصاروا من خيرة المخلوقات ، وأكرموا بالفوز في الحياة الآخرة فلم يكونوا ممن ذرأ الله لجهنم من الجن والإنس.
ومتعلق (اسْتَمَعَ) محذوف دل عليه قوله بعده (فَقالُوا إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً).
و (الرُّشْدِ) : بضم الراء وسكون الشين (أو يقال بفتح الراء وفتح الشين) هو الخير والصواب والهدى. واتفقت القراءات العشر على قراءته بضم فسكون.
وقولهم : (وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً) ، أي ينتفي ذلك في المستقبل. وهذا يقتضي أنهم كانوا مشركين ولذلك أكدوا نفي الإشراك بحرف التأبيد فكما أكد خبرهم عن القرآن والثناء عليه ب (إن) أكد خبرهم عن إقلاعهم عن الإشراك ب (لَنْ).
(وَأَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً وَلا وَلَداً (٣))
هذا محكي عن كلام الجن ، قرأه الجمهور بكسر همزة (أَنَّهُ) على اعتباره معطوفا على قولهم : (إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً) [الجن : ١] إذ يجب كسر همزة (إنّ) إذا حكيت بالقول.
وقرأه ابن عامر وحمزة والكسائي وحفص وأبو جعفر وخلف بفتح الهمزة على أنه معطوف على الضمير المجرور بالباء في قوله : (فَآمَنَّا بِهِ) [الجن : ٢] أي وآمنا بأنه تعالى جد ربنا. وعدم إعادة الجار مع المعطوف على المجرور بالحرف مستعمل ، وجوزه الكوفيون ، على أن حرف الجر كثير حذفه مع (أنّ) فلا ينبغي أن يختلف في حذفه هنا على هذا التأويل.
قال في «الكشاف» : (أَنَّهُ اسْتَمَعَ) [الجن : ١] بالفتح لأنه فاعل أوحي (أي نائب الفاعل) و (إِنَّا سَمِعْنا) بالكسر لأنه مبتدأ محكي بعد القول ثم تحمل عليهما البواقي فما كان من الوحي فتح وما كان من قول الجن كسر ، وكلّهن من قولهم ، إلّا الثنتين الأخريين : (وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ) [الجن : ١٨] ، (وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللهِ) [الجن : ١٩] ومن فتح كلهن فعطفا على محل الجار والمجرور في (فَآمَنَّا بِهِ) [الجن : ٢] كأنه قيل : صدقناه وصدقنا أنه تعالى جدّ ربنا ، وأنه كان يقول سفيهنا ، وكذلك البواقي ا ه.
والتعالي : شدة العلوّ ، جعل شديد العلوّ كالمتكلف العلوّ لخروج علوّه عن غالب ما تعارفه الناس فأشبه التكلف.